فوضوية المشهد الإعلامي في مصر

يبدو المشهد الإعلامي في مصر بشقيه التليفزيوني والصحفي فوضويا ومضطربا إلى حد كبير، ولعل فاجعة مقتل مشجعي النادي الأهلي في استاد بورسعيد وتحميل الإعلام الرياضي المسؤولية الأكبر وراء الحادث تبين المستوى الذي وصل إليه الإعلام المصري في تناوله لقضايا الوطن والأمة، وما يحدث في الإعلام الرياضي يحدث في الإعلام السياسي وفي شتى مجالات الإعلام الأخرى، يكفي أن يمر الإنسان ليلا على المحطات التليفزيونية الرسمية الخاصة أو حتى الرسمية بعد الثامنة مساء ليجد مقدمي البرامج وقد تحولوا إلى قادة سياسيين أو زعماء ثوريين أو علماء دين، أو محللين سياسيين على أقل تقدير، فمعظم مقدمي البرامج يظهرون في البداية دون ضيوف ليأخذ كل منهم مجاله في إلقاء البيان السياسي اليومي الذي هو عبارة عن رأيه الشخصي أو معد البرنامج أو صاحب المحطة الفضائية أو كلهم مجتمعين ثم يقدم طائفة من الأخبار مع تعليقاته وتوجيهاته وانتقاداته أو تحريضه ضد من يريد وانحيازه إلى من يريد، ثم تأتي فقرة الضيوف التي أرى فيها بعض مقدمي البرامج يتحدثون أكثر من ضيوفهم، ولا يكتفون عادة بالأسئلة بل يشاركون في الإجابات وإبداء الآراء وتوجيه الضيوف ومشاركتهم في كل شيء بل بعضهم لا يسأل وإنما يكون ضيفا مشاركا لكل ضيوفه، ونادرا ما يخلو المشهد التليفزيوني المصري من هذا حتى أني في بعض الأحيان أحول المؤشر إلى التليفزيون الرسمي فأجد مقدمي برامج لا أعرف أسماءهم بالطبع ينافسون الآخرين في إلقاء الخطابات وتدبيج التوجيهات والانتقادات والآراء ولا أعرف هنا هل هذا رأي المذيع أم المنتج أم توجيهات السيد رئيس التليفزيون أم وزير الإعلام؟
أما المثير في هذا المشهد أن كل مقدمي البرامج بمن فيهم أزلام وبقايا النظام السابق أو من كانوا يداهنون النظام ويدافعون عنه لآخر رمق أو من كانوا يكتبون خطابات مبارك المليئة بالكذب و التدليس على الشعب، كلهم الآن ثوريون يرتدون وشاح الثورة ويتدثرون بهتافات الثوار، ويدعون أنهم كانوا يرابطون في ميدان التحرير مع الثوار وأنهم دعموا الثورة من وراء حجاب من أول يوم حتى سقوط مبارك، وكلهم من صانعي الثورة ومن رجالاتها الأوائل والعجيب أن أيا من هؤلاء الأفاقين والمهرطقين لا يخجل بعدما ركب صهوة الثورة الآن ويواصل ثقافة التدليس التي كان يقوم بها على الشعب معتقدا أن هذا الشعب ذاكرته ضعيفة أو أنه ينسى، الأمر الأكثر غرابة هو نوعية الضيوف الذين يملأون الفضائيات وهم يكملون المشهد فكثير من هؤلاء أصبح محترفا للظهور التليفزيوني بشكل مقزز أحيانا حتى أن بعضهم يظهر في اليوم الواحد أكثر من مرة وبعضهم أصبح ضيفا يوميا يظهر ربما أكثر من مقدمي البرامج على شاشات التلفزة ولا أعرف من أين يأتي هؤلاء بالمعلومات والثقافة والمعرفة المتجددة التي تؤهلهم أن يظهروا في الأسبوع الواحد ربما أكثر من سبع ساعات، هل هو هوس التليفزيون وسحره الذي يجعل الناس تنسى أن لكل شيء في الحياة قواعد يجب احترامها منها مرات الظهور التليفزيوني والمعلومات والمعرفة المتجددة التي يجب أن تكون عند المتحدث وإلا احترق كما يحترق بعض مقدمي البرامج الذين أصبحوا يزايدون على كل شيء.
المشهد الفوضوي الآخر أن معظم الفضائيات أصبح يسيطر عليها فلول النظام السابق من رجال الأعمال الذين كان يملك بعضهم بالفعل هذه الفضائيات وكان يخدم على النظام السابق بشكل أو بآخر أو الذين دخلوا المجال لحماية المليارات التي ربحوها من دماء الشعب وقوته من خلال منظومة النظام الفاسدة من قبل، فالإعلام سلاح قوي لحماية رأس المال، وشراء الذمم أمر سهل للغاية لمن يملك المليارات دون أن يكون قد بذل فيها أو تعب، فإنفاق مليار لحماية عشرة مليارات أو أكثر هو مبلغ زهيد عند البعض من ثم فإن عمليات شراء وبيع الفضائيات والصحف والمواقع الألكترونية ومن ثم تنقل كثير من مقدمي البرامج على رقعة الفضائيات أصبح مشهدا متكررا حتى أن الإنسان لم يعد يعرف من كثرة التنقل أين يعمل هذا وأين يعمل ذاك.
المشهد لا يقل ضبابية أو فوضوية في الصحف فقد راقبت عناوين الصفحات الأولى للصحف المصرية ما يسمى منها بالمستقلة أو حتى الرسمية بعدما أعلن خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين أن الإخوان يطالبون بتشكيل حكومة ائتلاف وطني ولن يسمحوا باستمرار حكومة الجنزوري وجدت أن العمق الصحفي والتحليل الدقيق ومن ثم المهنية التي يرجى ويؤمل أن تكون في الصحف المصرية لا وجود لها فقد انبرت كل صحيفة لتشكل مجلس الوزراء الجديد وتوزيع الحقائب الوزارية وكل جريدة شكلت مجلس الوزراء الذي لم يكن سوى من خيال صحفييها، بعد ذلك بدأت كل صحيفة تضع مرشح الرئاسة الذي سيدعم من الإخوان أو من غيرهم، المزري في المشهد هو أن الإخوان كانوا يصدرون بيانات تكذب أخبارا تنشر عنهم من المفترض أنها في صحف رصينة.
الإعلام هو مرآة الشعب الصادقة التي يجب أن تنقل الحقيقة إلى الناس وتزيد مساحة الوعي والفهم والمعرفة لديهم بمهنية عالية وصدق كامل فإذا كانت هذه المرآة مليئة بالخدوش أو يغطيها الضباب فأنّى للحقيقة أن تصل إلى الناس وأن يثق الناس في وسائل إعلامهم؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

احتفالات الليبيين بسقوط نظام القذافي

التالي

حقيقة المعركة في سوريا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share