ما بعد الانتخابات الرئاسية

أيا كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية وسواء فاز محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين أو أحمد شفيق آخر رئيس وزراء فى عهد المخلوع حسنى مبارك، فإن الحالة الضبابية أصبحت هى التى تلف المشهد السياسى المصرى لاسيما بعد الأحكام القضائية التى صدرت بحق المخلوع ورجاله، والأحكام التى أصدرتها المحكمة الدستورية العليا التى قضت ببطلان قانون العزل السياسى وحل مجلس الشعب. مجلس الشعب الذى كان يعتبر إنجاز الثورة الوحيد حتى الآن بكل مآخذه وسلبياته أصبح غير دستورى، فيما المجلس العسكرى وكل نظام مبارك الذى لم يسقط أصبح هو الدستورى، هذا المشهد المقلوب هو الذى يلف مصر وثورتها بالضبابية، ويجعل المستقبل المجهول هو سيد الموقف، وإذا كانت النتائج التى تصل إليها الأمم عادة هى محصلة أسباب وممارسات فإن ما وصلنا إليه هو نتاج لممارسة عدد من القوى الظاهرة والخفية، على الساحة السياسية المصرية: الأولى هى الدولة الخفية، التى قتلت الثوار ثم قدمت للقضاء ما يبرئ به ساحة القتلة، ويجعل القاتل مجهولا، وهى التى رتبت تفاصيل المشهد من وراء الكواليس بكل الأحداث التى بدأت بعد جمعة النصر حتى أحداث العباسية وفى النهاية أوصلت مصر إلى هذه الحالة، وهى تضم خليطا من رجال المال والإعلاميين ورجال الدولة، وربما القضاة، ومسئولين كبارا سابقين كانوا يديرون عجلة الدولة فى المنظومة العميقة للحكم. الثانية هى المجلس العسكرى الذى تولى مسئولية رئاسة الجمهورية وانشغل بشىء أساسى هو كيفية الحفاظ على امتيازات المؤسسة العسكرية ورجالها، والإبقاء على دورها الأساسى فى صناعة القرار السياسى والاقتصادى، وحينما اكتشفوا هشاشة القوى السياسية وما يسمى بالنخبة تعاملوا معها بسياسة فرق تسد والعصا والجزرة فحولوا معظمها إلى نمور من ورق فاستقطبوا واخترقوا الأغلبية، فيما تركوا الباقين حيارى أو عاجزين. الثالثة الإخوان المسلمون باعتبارهم أكبر فصيل سياسى منظم فى البلاد، فقد عجزوا حتى الآن عن تحمل المسئولية التاريخية للمرحلة وكرروا أخطاء الماضى بشكل أو بآخر، وعجزوا عن استيعاب شباب الإخوان الذين شاركوا فى الثورة، وأصروا على إبراز رموز لا تعرف شيئا عن الحاضر والمستقبل ولكن كل معرفتها هى بالماضى وقصصه، واستخدموا سياسة الإقصاء لشبابهم وبعض ذوى الرأى والخبرة من رجالهم مثل عبدالمنعم أبوالفتوح الذى عادوه لأسباب فى رأى الكثيرين شخصية، كما عجزوا عن استيعاب كثير من المثقفين والإعلاميين ورجال النخبة والكتاب الذين كانوا يتعاطفون معهم فى مرحلة محنتهم وحولوا كثيرا منهم إلى أعداء يكتبون ضدهم، وينازلونهم فى الدوائر الانتخابية ويصوتون ضد قراراتهم فى البرلمان، كما نجحت القوتان السابقتان الدولة الخفية والمجلس العسكرى فى تأجيج هذه الخلافات وتصعيد سياسة التخويف من الإخوان حتى النهاية، ونجح الإخوان بأخطائهم فى تحقيق ذلك. الرابعة، هم ما يطلق عليهم القوى السياسية من أحزاب هشة وقيادات تسعى للتواؤم والحفاظ على مصالحها الخاصة وعلاقتها بمن يجلس على كرسى الرئاسة، فإن عارضوا فمعارضة من لا يغضب الدولة الخفية أو المجلس العسكرى وإن تحالفوا فالتحالفات التى تقوض وتضعف وتفشل. الخامسة، هم شباب الثورة الذين بهرهم الظهور الإعلامى المبكر، والجلوس مع الكبار، والشعور بأنهم قاب قوسين أو أدنى من أن يصبحوا هم رجال الدولة، وتناسوا أن لكل شىء أصولا وقواعد، فضاعت منهم البوصلة واستقطب بعضهم وأقصى آخرون، فأصبحوا مثل غيرهم لا يرون من المشهد سوى ضبابيته. السادسة، هم ما يمكن أن يطلق عليهم النخبة السياسية، بعض هؤلاء يباعون ويشترون على مدار العقود الماضية ممن يحكم، وبعضهم صاحب رأى وفكر لكنه مستبد برأيه، لا يرى إلا نفسه، وبعضهم يسعى وراء مصلحته ومنفعته. هؤلاء جميعا شركاء فى المشهد الضبابى الذى وصلت إليه مصر، والسؤال الآن: هل يمكن لنتائج الانتخابات الرئاسية أيا كانت أن تكون بداية لانقشاع هذا الضباب أم الدخول -لا قدر الله- لحالة أسوأ؟

Total
0
Shares
السابق

الإنتخابات الرئاسية والحشد الأخير

التالي

ترسيخ الاستبداد فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share