قصة البيان الأول لثورة 25 يناير «الأخيرة»

ناديت بصوت عال للذين كانوا يقفون خلف المنصة الرئيسية قائلا: «من يتطوع ويغامر ويذهب ليسلم نسخة من البيانين الأول والثانى للثورة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟»، لم أنتظر طويلا حتى سمعت الدكتور عصام النظامى، أستاذ المناظير فى كلية طب قصر العينى يقول: «أنا أذهب يا أحمد»، ثم سمعت العقيد متقاعد مجدى عنتر يقول: «وأنا أذهب معه يا أحمد»، وكذلك محمد رفاعى المراغى، الذى طبع البيان على الكمبيوتر، قال سأذهب معهما، قلت للمراغى: البيانات بحاجة إلى تنسيق على الكمبيوتر وتكبير حجم الخط وأن تُطبع على ورق أبيض مصقول وتوضع فى مغلف وتسلم بشكل رسمى، وأكدت على الدكتور النظامى والعقيد عنتر ذلك، وقلت لهم يجب أن يشعر المجلس العسكرى بأنه يتسلم وثيقة من الشعب، وعدونى أنهم سيفعلون ذلك وانطلقوا لمهمتهم ونفذوها على الوجه الأكمل، وأنا كانت لدى مهمة أخرى، هى بث البيان الأول على وسائل الإعلام بعدما تلوناه على مليونى معتصم فى ميدان التحرير، ومن أهم وسائل الإعلام «قناة الجزيرة» التى كان العالم كله يشاهدها، وكانت تبث على مدار الساعة من الميدان رغم إغلاق مكتبها رسميا يوم الأحد 30 يناير 2011، لكن المستشار محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية الحالى، الذى قرأ البيان الأول من إذاعة الميدان من على المنصة قد عاد إلى الإسكندرية، التفت حولى لأبحث عمن يمكن أن يقرأ البيان وكنت أتطلع لأحد القضاة فلم أجد سوى المستشار محمد فؤاد جاد الله، نائب رئيس مجلس الدولة والمستشار القانونى الحالى لرئيس الجمهورية، وهو بالمناسبة كان أصغر نواب رئيس مجلس الدولة سنا، وأحد الذين شاركوا فى كتابة البيان، قلت للمستشار جاد الله وأنا متردد: لا أعرف إن كان من المناسب أن تتلو أنت البيان الأول على شاشة الجزيرة، أم أن الأمر يمكن أن يسبب حرجا مهنيا بصفتك قاضيا ذا منصب رفيع فى مجلس الدولة؟ قال لى محمد فؤاد جاد الله دون تردد: هذه ثورة شعب ولن أتردد فى خدمة بلادى حتى لو كان الثمن منصبى، لقد دفع من هو أفضل منى حياته ثمنا لحرية الشعب المصرى وبذل دماءه فى هذه الثورة، وأنا لست أقل من هؤلاء، أكبرت فيه هذا الإقدام والشجاعة التى لم يتزحزح عنها وكان سندا قويا لى فى تأسيس «اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة»، التى ضمت معظم القوى السياسية ونظمت معظم المليونيات والفعاليات الرئيسية بعد ذلك، رتبت مع الزملاء فى الجزيرة بث البيان على الهواء مباشرة، ووقف المستشار محمد فؤاد جاد الله أمام الكاميرا ووقفت خلفها، وتلا للتاريخ وللعالم البيان الأول لثورة الخامس والعشرين من يناير ثورة الشعب المصرى على الظلم والطغيان والفساد والاستبداد، عانقته بعد قراءته للبيان، واعتبرت قراءة البيان على شاشة الجزيرة هى التتويج الحقيقى للثورة، وقد بقى محمد فؤاد جاد الله يقرأ بيانات الثورة كلها بعد ذلك على وسائل الإعلام من على المنصة الرئيسية فى المليونيات، لقد ذكرت هذه القصة بتفصيلاتها حتى أؤكد على أمر مهم هو أن معظم الذين شاركوا بإخلاص وصدق فى هذه الثورة عادوا إلى أعمالهم دون أن يتاجروا بها، بينما بقى الذين كانوا يتاجرون بالثورة من بدايتها على شاشة الفضائيات بالأصوات العالية يتاجرون بها إلى اليوم، ويعتبرون أن عدم توليهم المناصب والمهام والتكليفات يعنى أن الثورة قد اختطفت، وكثير من هؤلاء لم يكونوا سوى ضيوف على الميدان يأتون لدقائق ليلقوا الكلمات من على المنصة حتى يراهم الناس ثم ينسحبوا، إن اختيار الرئيس محمد مرسى لأبرز شخصيتين ممن كتبوا وقرأوا البيان الأول للثورة المصرية ليعين أحدهما نائبه والآخر مستشاره القانونى هو الذى دفعنى لكتابة هذه القصة لإبراز دور جنود مجهولين كثيرين فى الثورة، ولا شك أن هناك جنودا مجهولين كثيرين لا أعرفهم، لكن الله يعرفهم، وليسامحنى كل من نسيت ذكره أو دوره، ومن نسيت ذكرهم فإن الله يذكرهم ولا يضيع أجر من أحسن عملا. انتهت القصة.

Total
0
Shares
السابق

قصة البيان الأول لثورة 25 يناير (9)

التالي

«الزبالة» التى تقذف كل يوم فى بيوتنا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share