معركة الدستور فى مصر

لم تتوقف المحاولات التى تقوم بها تيارات مختلفة، من أبرزها التيار الليبرالى، لتفجير الجمعية التأسيسية للدستور من داخلها ومن خارجها، ومحاولة إفشال مهمتها بكل الطرق والوسائل وإدخال مصر فى دوامة لا تنتهى، فالذين لم يدخلوا الجمعية يعتبرونها ناقصة أو باطلة بدونهم، والذين دخلوا يعتبرون مصر قد اختطفت من الإسلاميين ويجب إفشال كل ما يقومون به، وإن كان فى لب مصلحة الوطن، من ثم فإن افتعال المعارك والخلافات على كل كبيرة وصغيرة واستخدام الصحف ووسائل الإعلام ساحة للصراع أصبح أمراً يدل على أن مصلحة الوطن فى خطر، والدليل على ذلك أن الصراع على صياغة بعض المواد والاختلاف على بعضها الآخر لا يستدعى ذلك الصراخ والتهديدات بالانسحاب الجماعى أو هدم الجمعية على رءوس من فيها أو عرقلة النقاشات حتى تنتهى الفترة المقررة للجمعية والمحددة بستة أشهر دون إنجاز، ومن ثم وضع القيادة السياسية للبلاد فى مأزق جديد، فالذين يتحدثون عن التوافق يقومون بهدم كل خطط ومحاولات التوافق، وقد تحدثت إلى أكثر من عضو من أعضاء الجمعية التأسيسية حتى أفهم سبب المشكلة، فوجدت أن أساس المشكلة هو أن هناك من يريد أن تكون هناك مشكلة دائمة لأنهم لا يمكن أن يعملوا أو يشعروا بوجودهم أو كيانهم إلا بوجود مشكلة تتيح لهم النواح والندب واللطم على الفضائيات وصفحات الصحف ليل نهار والتخويف من أن الدولة قد اختطفت، وأن الدستور مشوه ومنحاز ولا يعبر عن إرادة الشعب، فهؤلاء يشعرون أنه لو تم التوافق لانتهى دورهم الإعلامى وخفت صوتهم السياسى، ومن ثم فإن وجودهم قائم على زراعة وبث الخلافات والصراعات بغض النظر عن مأساة الوطن والمرحلة الدقيقة التى تمر بها مصر، لأنه يجب تجاوز مرحلة الدستور حتى تدخل البلاد إلى الاستقرار وإلى الانتخابات التشريعية والانطلاق فى مرحلة إعادة بناء البلاد. إن متابعة بعض النقاشات والخلافات والانتقادات التى توجه للنصوص الدستورية تكشف عن عقلية صبيانية لدى بعض من ائتمنوا حتى يصنعوا دستور البلاد، لأن بعضهم ليس له كيان إلا من خلال العناد والعراك واللغو واللغط والتجول بين الفضائيات ليظهر أنه المدافع الحامى عن حمى الشعب والثورة، ومن خلال الأكاذيب التى يروجونها والخداع الذى يقومون به والحفر فى أدمغة الناس، يوهمون الشعب بأن مكتسبات الثورة قد سرقت، وأنه سيعيش فى نظام رجعى يعيده للعصور الوسطى، إن التلكؤ فى مناقشة بنود الدستور وتجاوز المدة المقررة للجمعية يعنى حلها وتشكيل جمعية أخرى، وهذا ما يسعى له الذين أخفقوا فى الحصول على حكم قضائى لحلها، فيريدون أن يأتى الخطأ من جانب الجمعية نفسها أنها لم تنجز المهمة فى الوقت المحدد لها، ومن ثم يقوم رئيس الجمهورية بتشكيل جمعية تأسيسية أخرى للدستور لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر يزداد الوضع السياسى فيها جموداً وتأزماً، أما الوضع الاقتصادى فيزداد سوءاً وينفد صبر الشعب وانتظاره ويتم تقويض التجربة والثورة لا لشىء إلا لأن هؤلاء يكرهون خيار الشعب للإسلاميين ويرسلون رسالتهم القوية له بأن هذه هى النتيجة لو جاء هؤلاء للحكم، والله أعلم بما يدبر للجمعية الأخرى إن أخفقت هذه الجمعية فى إتمام مهمتها فى الموعد المحدد وظل هؤلاء المرجفون يعرقلون العمل ويواصلون اللطم والعويل عند مناقشة كل مادة. إن حجم ما تتعرض له الثورة المصرية من مكائد ومؤامرات أكبر من أن يخطر على بال أحد، وحجم الأموال التى تحول من جهات ودول من أجل وأد هذه التجربة أكبر من الخيال، ونوعية الذين يستخدمون سواء بعلمهم أو بجهلهم للمشاركة فى هذه العملية يشمل فئات كثيرة، منهم مخادعون ولصوص يقتاتون على كل مائدة ولا يهمهم من أمر الوطن شىء، وآخرون مخلصون ولكن لا عقول لهم ينساقون كالقطيع مع الصوت العالى، إن الجميع يدرك أن هذا الدستور ليس نهائياً ولكنه لعبور هذه المرحلة، وسوف يأتى آخرون ليعدلوا ويتوافقوا فى مراحل قادمة على ما يصعب التوافق عليه فى هذه المرحلة، لذا يجب على كل مخلص أن يسعى لكى تتم الجمعية مهمتها فى موعدها وإلا فإن الثورة المصرية أمام خطر عظيم.

Total
0
Shares
السابق

الصراخ الجماعى فى مصر

التالي

أنواع المعارضة فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share