سر الموقف الدولى من سوريا

رغم أن ما يحدث فى سوريا أصبح غير مسبوق فى العصر الحديث، من أن يقوم حاكم بإبادة شعب بالدبابات والطائرات والأسلحة الثقيلة، وأن يمحو تاريخ دولة وحاضرها وحتى مستقبلها، وأن يقتل كل يوم أجيالاً من البشر من كل الأعمار، وكل ذلك ليس فى الظلام وإنما على الهواء مباشرة وعلى شاشات التلفزة وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، وطيلة ما يقرب من عامين، ثم تكون حركة المجتمع الدولى سلبية بل ومتواطئة بالشكل الهزيل الذى نراه، والأهم من المجتمع الدولى هو المجتمع العربى والإسلامى الذى من المفترض أن يكون له حراك آخر فى ظل أن البلد الذى يدمر هو بلد إسلامى، والتاريخ الذى يمحى هو تاريخ إسلامى وإنسانى، والشعب الذى يذبح هو شعب مسلم بالدرجة الأولى، ولكن العرب شأنهم شأن العجم وكأن الأمر لا يعنيهم. لذلك إذا حاولنا أن نفهم المشهد لندرك السر الحقيقى وراء موقف المجتمع الدولى ثم المجتمع العربى الذى يتحرك بتبعية مطلقة للمجتمع الغربى، فإننا نجد الغرب ينظر إلى ما يحدث فى سوريا بمنظار مختلف عن أى قضية أخرى تحرك فيها خلال العقود الماضية، وباختصار شديد فقد كان النظام السورى منذ حرب العام 1973 وحتى الآن هو الحارس الأمين لحدود إسرائيل وأمنها رغم عدم وجود اتفاقيات للصلح والسلام معه، ولأن أمن إسرائيل مسئولية أمريكية بشكل خاص وأوروبية وغربية بشكل عام فإن تغير النظام يعتبر شيئا مثيرا للقلق، فى ظل عدم اطمئنان الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل من قبلهم إلى شكل النظام الذى سوف يأتى ومدى التزامه بأمن إسرائيل ومكتسباتها من النظام السابق وعلى رأس هذه المكتسبات الجولان المحتل وأمن الحدود، من ثم فإن ترك الأمور تجرى على ما هى عليه الآن من إنهاك للطرفين هى بيت القصيد، لأن الأنظمة الضعيفة أو المنهكة هى التى يمكن التفاوض معها أو فرض الشروط عليها، الأمر الآخر المهم الذى أشار إليه كثير من الإسرائيليين فى تحليلاتهم كمحللين وتصريحاتهم كمسئولين، هو أن سوريا أصبحت قبلة لكل التنظيمات الإسلامية الجهادية التى يخشى منها الغرب والتى تكرهها إسرائيل وعلى رأسها تنظيم القاعدة، ومن ثم فإن وجود هؤلاء على حدود إسرائيل فى ظل وجود حماس فى غزة والإخوان المسلمين فى مصر والأردن، يعنى أن الخطر يحيط بإسرائيل من كل جانب، من ثم فإن بقاء هؤلاء يقاتلون بأسلحة خفيفة لا تحسم المعركة يعنى أن تستمر هذه المعركة لسنوات يحاول الغرب وإسرائيل خلالها إعادة رسم الخرائط بشكل ربما يؤدى إلى تقسيم سوريا أو إلى إشعال حرب أهلية فيها تتورط فيها أطراف إقليمية تأكل الأخضر واليابس لسنوات، أو إعادة تركيب المنطقة عرقياً ودينياً مع إدخال لبنان فيها، ومن ثم لخبطة الأوراق كلها ربما لعقد قادم تكون إسرائيل فيه قد أمنت على وضعها، ويكون الغرب قد اطمأن إلى أن التنظيمات الإسلامية التى يخشى منها سوف تحترق فى نيران هذه الحرب. وهناك بعد اقتصادى مهم فى هذه الحرب، هو أن يخرج الغرب من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى يعيشها، فالأزمات الاقتصادية العالمية عادة ما تؤدى لقيام الحروب، وقيام حرب أهلية فى سوريا إذا كان أحد السيناريوهات التى سيؤججها الغرب حال نجاح المقاومة يعنى أن دولاً كثيرة سوف تغوص فى وحلها، إن المشهد برمته ضبابى ومخيف غير أنه بحاجة إلى أن يقرأ على وجهه الصحيح، إلا أن يكون للخالق سبحانه تدبير آخر، وهذا ما ننتظره ونتمناه.

Total
0
Shares
السابق

الوزراء الفلول في الحكومة المصرية

التالي

سر الصمت الدولى تجاه سوريا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share