أوقاف المصريين.. الكنز المنهوب

من أكبر الأخطاء التي ارتكبها جمال عبد الناصر تدمير أوقاف المصريين، فثقافة الوقف الخيري أصيلة في الثقافة والفكر المصري، وقد كانت على مر الزمان تتولى من ريعها مسؤولية كبيرة في النفقة على أهل العلم و القضاة والأيتام وعموم الفقراء من المسلمين وغيرها من مصارف الوقف الأخرى فلم يكن العالم أو القاضي يخضع لسلطة الحاكم فكان يجهر بما يريد دون أن يملك له الحاكم ضررا في رزقه أو سلطة على وظيفته، لكن عبد الناصر جاء فدمر الأوقاف المصرية وجعلها مؤسسة تخضع للحاكم وأهوائه، وتركها نهبا لذوي النفوس الضعيفة والفاسدين، وجعل العلماء والقضاة موظفين لديه يعزل من يشاء ويعلي شأن من يشاء فانتشر النفاق بين العلماء وتوارى أهل العلم خلف الصفوف، أما القضاء فنحن نعيش آثار ما حدث فيه طوال العقود الماضية.
وقد قامت ثقافة الوقف على أن يوقف أحد المحسنين أرضا أو بناء أو مزرعة أو أي شيء ليكون ريعه لطلبة العلم أو للفقهاء أو للقضاة أو للأيتام أو لعابري السبيل أو للغارمين أي المدينين العاجزين عن تسديد ديونهم أو غير ذلك من المصارف الأخرى فكان يحمل هذا الأمر عبئا كبيرا عن الدولة ويعلي مسؤولية التكافل في المجتمع، وقد قدر بعض الخبراء حجم ما وصلت الأوقاف قبل أن يدمرها عبد الناصر بأنها كانت تصل إلى ما يقرب من نصف الأراضي المزروعة في مصر، كما أنها كانت من أجود الأراضي وأفضلها داخل المدن ، وعلى سبيل المثال لا الحصر مدينة مثل الإسكندرية يبلغ حجم أراضي الأوقاف الواقعة داخل المدينة وفق تصريحات للدكتور أسامة كامل رئيس هيئة الأوقاف هناك 700 فدان تقع داخل نطاق المدينة ويبلغ سعر المتر الواحد فيها اثني عشر ألف جنيه مصري، أي أن قيمة هذه الأرض وحدها تزيد على أربعة مليارات جنيه وهي كافية لحل مشكلات أهالي الإسكندرية جميعا لاسيما من الطبقات الفقيرة والمتوسطة لو أحسن استخدام الأمر بدلا من الهدر القائم، ونفس الأمر يمكن تطبيقه في كل محافظات مصر ومدنها ، ولأن وزارة الأوقاف شأنها شأن باقي وزارات الدولة كانت تمخر في الفساد طوال العقود الماضية فقد سعى وزير الأوقاف المصري الحالي الدكتور طلعت عفيفي إلى تشكيل لجنة لحصر الأوقاف والبحث عن سبل لإدارتها على الوجه الذي أوقفت من أجله، وأن يتم إدارة أصول الأوقاف بشكل يضمن وصول أموالها وعوائدها إلى مستحقيها بعدما كانت تنهب لصالح فئة معينة طوال العقود الماضية، وتم بالفعل حصر أكثر من 85 ألف حجة وقفية وعمل ميكروفيلم لها وتسعى اللجنة الآن للترتيب مع هيئة المساحة المصرية والمركز الوطني لتخطيط استخدامات الدولة، ووزارة الحكم المحلي لحصر هذه الأوقاف وعمل الخرائط لها على أرض الواقع، وإزالة التعديات القائمة عليها وهي كثيرة، ثم دراسة حجم ونوعية المشروعات التي يمكن لهذه الأوقاف أن تؤديها للتخفيف عن المصريين، ويقول الخبراء إن هذه الأوقاف بحجمها وقيمتها كفيلة بسدد حاجات المصريين إذا تم توظيفها بشكل صحيح بعيدا عن البيروقراطية والنهب الذي كان قائما منذ عهد عبد الناصر.
الجانب الآخر الهام هو الصراع القضائي القائم بين ورثة كثير ممن أوقفوا أموالهم وبين وزارة الأوقاف وهذا أمر يقتضي الحل أيضا، لأن كثيرا من هؤلاء أصبحوا فقراء وهم أولى بما تركه أجدادهم، ورغم عدم وجود تقدير حقيقي لقيمة الأوقاف المصرية بسبب سوء الإدارة وعدم الحصر والفساد لكن بعض الخبراء يقدرونها بألف مليار جنيه مصري، وإن صح هذا فنحن أمام ثروة حقيقية كبيرة وهائلة يمكن أن تسهم بشكل رئيسي في حل مشكلات كثير من المصريين لاسيما وأن هذه الأوقاف هي أجود الأراضي في أجود الأماكن، وتبقى الإدارة التي يمكن أن تحول هذه الثروة الخاملة إلى ثروة فاعلة، وإلى مشروعات تخرج المصريين من مآسيهم الكثيرة التي خلفتها الأنظمة التي حكمتهم منذ العام 1952، مصر من أغنى الدول، وكل يوم يتم اكتشاف ثروة حقيقية بها، لكنها بحاجة إلى العقول والنفوس النظيفة صاحبة الرؤية والأبداع لتحولها إلى أغنى وأجمل بلاد الدنيا.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

من يدفع فاتورة الفضائيات المصرية الخاصة؟

التالي
ديفيد هيرست

ديفيد هيرست : أخطاء الإخوان المسلمين في الحكم .. وتحديات الثورة المصرية

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share