هموم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي

بدعوة من النائب العام القطري الدكتور علي بن فطيس المري ومركز حكم القانون ومحاربة الفساد دعيت إلى حلقة نقاشية مغلقة مع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي خلال زيارته للدوحة في الأسبوع الماضي للمشاركة في القمة العربية، وكان الحضور محدودا ومميزا إلى حد كبير لذلك فوجئت بالرئيس التونسي يبدأ الحلقة النقاشية بقوله «لم آت لأحاضر أو أتحدث وإنما لأستمع إليكم، سأبث لكم همومي آملا أن تشاركوني فيها» ثم قال «رغم هموم السجن والمنفى إلا أني كنت أنام، لكني الآن لم أعد أنام كثيرا بسبب كثرة الهموم، التي أصبحت حافزا نفسيا يمنع النوم ويبعث على القلق طوال الوقت.. إن هناك تحدياً كبيرا مطروحا على الساحة التونسية لم أجد له حلا في نظام الحكم وهو انقسام المجتمع التونسي على نفسه، المجتمع في تونس منقسم على نفسه، تونس الفقيرة المشغولة بنمط العيش ومستوى المعيشة والمستقبل، كل واحد ينظر إلى الثورة بمنظار ماذا قدمت له، وكل واحد ينتظر من الثورة أن تقدم له شيئا، ونحن نسعى إلى أن تستقر الأوضاع ولا تصل الأمور إلى حد الصراع الداخلي بين التونسيين، ورغم نجاحنا في تشكيل حكومة توافقية بين الإسلاميين المعتدلين والليبراليين المعتدلين كذلك حيث يشكل كل منهما جانبا هاما ورئيسيا من الشعب التونسي، هذه الحكومة التوافقية لا تعجب المتطرفين من الجانبين واليوم أنا أتعرض للهجوم من قبل العلمانيين المتطرفين الذين يتهمونني أنني قد فرطت في القيم التونسية التي رسخت خلال العقود الماضية، وأهاجم في نفس الوقت من السلفيين الذين يقولون عني إني كافر وملحد.
ويكمل الرئيس التونسي بث همومه قائلا: المعضلة الأخرى هي المعضلة الأمنية فنحن أمام بعض الجماعات التي ترفع السلاح في وجه الحكومة الشرعية، وأخشى ما أخشاه هو ان تصبح سوريا مرتعا لهؤلاء وحينما تنتهي الحرب في سوريا يعود هؤلاء إلى تونس فيشكلون خطرا كبيرا وداهما على أمن ومستقبل البلاد، فهؤلاء إن لم يتم استيعابهم في المجتمع يصبحون خطرا على البلاد، والسؤال الذي يملأ الإنسان بالهموم هنا هو «إلى أي مدى تستطيع دولة تلتزم بحكم القانون مقاومة هذه الجماعات دون تجاوزات ؟».
أما الهم الآخر الذي تحدث عنه الرئيس التونسي فقد كان الهم الاقتصادي وفيه قال « هناك أيضا الهم الاقتصادي، ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة وقلنا لو أن بن علي ومن حوله من اللصوص سرقوا فقط ما بين عشرين إلى أربعة وثلاثين مليار دولار، لو توفر لنا الآن هذا المبلغ مع ما تحصله الدولة من ضرائب والتزامات مالية أخرى فإننا لن نكون بحاجة إلى أية مساعدات من أية دولة أجنبية، والمعضلة الرئيسية التي تواجهنا الآن هي أننا غير قادرين على استرداد أي من هذه الأموال المنهوبة من الدول التي هربت إليها، رغم الجهود التي نبذلها، لاسيما وأن هذه الأموال كافية لانتشال تونس من أية عثرات اقتصادية، لقد أدى الفساد إلى الوضع الحالي الذي نعيشه في بلادنا، هناك 400 ألف عاطل عن العمل من أصحاب المؤهلات العليا، والعجيب المتناقض مع هذا هو أننا بحاجة إلى 150 ألف حرفي، لدينا وظائف شاغرة لمائة وخمسين ألفا من الحرفيين يحتاجهم سوق العمل في تونس في الوقت الذي لدينا 400 ألف جامعي عاطل، وهذا بسبب عدم وجود دراسات حول احتياجات سوق العمل وما يتوجه الناس له في الدراسة، أيضا لدي الهم الأخلاقي فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، نحن نريدها انتقالية لا انتقامية، الناس تحتج وتقول إننا تركنا أعداء الثورة ولم نقتص منهم، بل أصبحوا يتآمرون بوقاحة ضد الثورة دون أن يواجهوا العقاب الكافي .. وهذه معضلة، كيف نحقق العدالة الانتقالية دون انتقام، أيضا لدي هموم خارجية منها هم ملف الاتحاد المغاربي، كنا نعتقد أن الثورة ستغير كل شيء لكننا اكتشفنا أن الواقع وتغييره هو من أصعب الأشياء، فعالم التنظير يصطدم دائما بعالم الواقع، لقد اكتشفت في مؤتمر عقد قبل أسبوعين حول الخبرات التونسية في الخارج أن نصف الأساتذة الجامعيين في تونس يعملون في جامعات غربية، وكثيرون منهم في مناصب علمية وإدارية دقيقة، وهؤلاء ثروة هائلة لتونس كيف نستردها.. إن هذه الهموم تشكل بالنسبة لي تحديات ذهنية وأخلاقية وسياسية وأمنية آمل أن أجد لديكم إجابة لها مبنية على شيء من العقل والعاطفة.
هذه هي بعض هموم الرئيس التونسي الدكتور محمد المنصف المرزوقي بعد أكثر من عامين على قيام الثورة التونسية.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الفجور في نهب ثروات مصر

التالي

خـلـط الأوراق فـي مصـر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share