تطهير الميدان..وتطهير القضاء

أذكر أن من أهم الشعارات التي كان يتم ترديدها في أعقاب قيام الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير من العام 2011 «الشعب يريد تطهير القضاء» والقضاء هنا يشمل النيابة العامة والقضاء، وقد اتضح على مدى العامين الماضيين كيف يلعب القضاء دورا رئيسيا في مجرى الأحداث في مصر بحيث يستطيع الجميع أن يقرأ أبعادا سياسية في كثير من الأحكام القضائية، ورغم أن أحد المطالب الرئيسية للثورة المصرية كانت إقالة النائب العام عبد المجيد محمود إلا أنه حينما أقيل صنع منه أزلام النظام السابق وأعداء الثورة والإعلام الفاسد بطلا يريدون عودته، وأصبح النائب العام الجديد الذي يسعى لتطهير النيابة هو المطلوب إقالته، والعجيب أن المطالب بإقالة النائب العام الجديد أصبحت مربوطة كذلك بإقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وحينما سعيت للبحث في الأمر وجدت أن السبب الرئيسي هو أن الرجلين يعملان بجد من أجل تنظيف جهاز النيابة وتنظيف وزارة الداخلية، أي أنهما ليسا تحت السيطرة الخارجية التي يخضع لها حتى الآن كثير من المسؤولين المصريين في كثير من مفاصل الدولة، في ظل تقارير كثيرة تتحدث عن أن الأيدي الخارجية ومنها أيدي المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه» قد تمكنت في عهد مبارك من عمل اختراق واسع لمعظم الوظائف القيادية في الدولة وحتى الحلقة الرابعة أو الخامسة أحيانا، لذلك يتعجب كثيرون لماذا أقيلت أو أطيحت بالرؤوس الكبيرة في أكثر من مكان بينما مسار العمل المضاد للثورة والشعب كما هو، كما أن الأيدي التي تعبث بأمن البلاد وتشيع الفوضى كما هي، والسر هو أن الاختراق والتوظيف لم يكن للوظائف القيادية فقط وإنما كان للحلقات المحيطة بها، حتى إذا سقطت حلقة حملت الراية الحلقة التي بعدها، وقد اتضح حجم الدور الذي يلعبه هؤلاء في تشجيع الفوضى وإطلاق يد البلطجية في صناعة الأحداث من خلال حدثين كبيرين، الأول هو ما جرى أمام قصر الاتحادية وخروج رئيس الجمهورية محمد مرسي وإعلانه أن هناك مؤامرة وأن هناك عشرات بين يدي القضاء ضبطوا مسلحين، وفوجئ الجميع بعد انتهاء مرسي من خطابه بالنيابة تفرج عن أكثر من مائة متهم اعتقلوا جميعا مسلحين ومشاركين في عملية الهجوم على القصر الجمهوري بما يعني أن رئيس الجمهورية كاذب وأن من أراد الهجوم على القصر الجمهوري فعليه أن يهاجمه ويضمن براءته من النيابة إن قبض عليه، فظل البلطجية يحيطون بالقصر ويهاجمونه لعدة أسابيع بعد هذا الأمر، ولأن مثل هذه الجرائم الكبيرة يجب التنسيق فيها بين النائب العام وبين النيابات الجزئية فقد فوجئ النائب العام بالإفراج عن المتهمين دون الرجوع إليه، حيث لم يرجع له رئيس النيابة مما جعله يصدر قرارا بنقله، ولكن الثورة المضادة داخل النيابة العامة تحركت فأوقف النائب العام قراره، أما الأمر الآخر فهي المهزلة الكبرى التي تحدث في ميدان التحرير، حيث يغلق بضع عشرات من البلطجية الميدان ويسودون صورة مصر في كل الدنيا، والسر كشف عنه اللواء إسماعيل عز الدين مساعد وزير الداخلية في شهادته التي أدلى بها أمام مجلس الشورى المصري يوم الأثنين الماضي 25 مارس حيث وجه انتقادا مباشرا للنيابة العامة وقال «إن الأمور وصلت إلى حد أن النيابة أفرجت عن بلطجي شاهده رئيس الوزراء وهو يفرض إتاوات على أصحاب السيارات الملاكي بواقع عشرة جنيهات لكل سيارة، وأنه بالرغم من تحرير مذكرة وقع عليها رئيس الوزراء بالواقعة إلا أن النيابة أخلت سبيله بعد أن كذب رئيس الوزراء، وأكد على أن النيابة أفرجت منذ يناير حتى مارس عن 600 بلطجي ممن تم القبض عليهم في الميدان، وهو ما يقف حائلا بين تطهير الميدان من عناصر البلطجية وعودة فتح الميدان وتأمينه».

وأضاف مساعد وزير الداخلية، أن هؤلاء البلطجية الذين تفرج عنهم النيابة قاموا بالاعتداء على عشرات من ضباط وجنود الشرطة والمواطنين، وهم الذين يقومون بسرقة وحرق سيارات الشرطة، وأن عدد الموجودين في الميدان الآن لا يزيد عن أربعين فردا لا ينتمون للثورة من قريب أو بعيد وهؤلاء يحتمون في بعض الأحزاب والقوى السياسية ووسائل الإعلام التي تدعمهم وتحمي وجودهم.

الصورة الآن واضحة تماما..هناك تواطؤ كبير مع هؤلاء البلطجية من عدة أطراف على رأسها بعض رجال النيابة، ورغبة في أن تظل الفوضى قائمة في مصر وبالتالي لن يتم تطهير الميدان إلا حينما يتم تطهير القضاء.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

خـلـط الأوراق فـي مصـر

التالي

خطوات صناعة الديكتاتور في مصر (1)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share