عشر سنوات على تخريب العراق

لم تدخل الولايات المتحدة أي دولة وخرجت منها دون تخريبها وتخريب الحياة فيها خربت معظم دول أميركا اللاتينية قبل أن تثور هذه الدول على كل ديكتاتور زرعته المخابرات المركزية الأميركية فيها وتقيم أنظمة شبه متمردة على السياسة الأميركية، خربت أميركا فيتنام بعدما كبدت أهلها خسائر فادحة في كل شيء ودمرت المجتمع والإنسان، وخربت الصومال بعد سقوط نظام سياد بري ولازالت خربة إلى الآن وحولتها إلى جمهوريات ممزقة ومرتزقة يقطعون الطريق على السفن، وخربت أفغانستان ودمرت الحياة بها وستخرج منها هاربة في العام القادم بعدما احتلتها في العام 2001 ولم يفلح النظام العميل الذي أقامته ولا جنودها ولاجنود الناتو الذين يزيدون على مائتي ألف جندي عن تحقيق أهدافها، وفي هذه الأيام نعيش أجواء مرور عشر سنوات على حربها على العراق واحتلاله في العام 2003 ، حيث استخدمت الولايات المتحدة كثيرا من أنواع الأسلحة المحرمة دوليا ضد العراق، وحولت كثيرا من أراضي العراق إلى أراض غير صالحة للحياة لآلاف السنين لأن اليورانيوم المنضب الذي استخدم مع أنواع الأسلحة المحرمة الأخرى تغلغل في التربة والمياه فحول حياة العراقيين إلى حياة مليئة بالأمراض والعلل والموت البطيء ولم تعد هناك بهجة في زرع أو ثمر، علاوة على ذلك ذاق ملايين العراقيين الهوان سواء في سجون النظام الأميركي أم في سجون الحكومات المتعاقبة التي كان ولاؤها للمحتل الأميركي على حساب الشعب العراقي.
لم يكن اختيار الولايات المتحدة للعراق عبثا، فعلاقتها وسياستها تجاه المنطقة علاوة على موقعها الاستراتيجي المميز في قلب العام يقوم على ركيزتين الأولى هي ضمان اســتمرارية تدفق النفــــط إلى الولايات المتحدة الأميركية والــثاني هو دعم إسرائيل وضمان أمنها وسلامتها وتفوقها النوعي على حساب جـــيرانها، ولأن النفــط يصل بسهولة ويســـــر للولايات المتحدة من الدول النفــطية الأخرى دون عوائق فقد خططت الولايات المتحدة لتضع يدها على نفط العراق أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية وروسيا، فالعراق تحتل المرتبة الثالثة عالميا، كما أن بها احتياطيا عاليا من الغاز يجعلها تتبوأ في المستقبل مكانة مميزة أيضا.
لذلك فإن كل ما يتعلق بالحجج الواهية التي ساقتها الولايات المتحدة من أجل غزو واحتلال العراق هو بعيد تمام البعد عن حقيقة نواياها وأهدافها التي يعتبر النفط على رأسها ومن غير المستبعد أن يكون تمكين فريق على حساب فريق آخر من أجل حكم العراق هو أحد الأهداف الرئيسية للغزو وهو ما تحقق بالفعل وتعيش العراق أجواءه الآن، فالعراق الذي يمثل قوة كبيرة بأبعاده الجغرافية وثرواته الطبيعية يتنافى مع الأهداف الاستعمارية التي تقوم على التفتيت والتقزيم والتفريق، ولهذا فإن كثيرا من المراقبين يرون أن العراق مقسم فعليا وإن كان يبدو كدولة واحدة متماسكة كما أن صادرات العراق من النفط والتي تقدر حاليا بحوالي 3,2 مليون برميل يوميا لا يذهب شيء من خيراتها لأهل العراق البسطاء المحرومين من أبسط احتياجات الحياة وهو الطاقة الكهربائية حيث تنقطع الكهرباء عن العراقيين بمتوسط 16 ساعة يوميا حيث لم تقم الولايات المتحدة بعمل أية إصلاحات أو إضافات لشبكات الكهرباء التي بدأت تدميرها منذ حرب الكويت في العام 1991 ولم تسمح لنظام صدام حسين حتى إسقاطه في العام 2003 بعمل تجديدات، وكانت السنوات العشر الماضية وخيرات النفط كفيلة بأن تعيد للعراقيين شيئا من ثرواتهم وحياتهم التي كانوا يعيشونها من قبل وإلا فأين يذهب مال النفط ومن الذي يستفيد منه ولماذا عملية التخريب المنظمة للحياة والإنسان في العراق بهذه الطريقة، عشر سنوات لم ير فيها العراقيون إلا فضائح الأسلحة المحرمة والأجنة المشوهة والأمراض الخبيثة والمعتقلات التي لا تصلح حتى للحيوانات والتهميش والإبعاد والتهجير والقتل على الهوية، لازالت جرائم أميركا في العراق لم تدون بعد وسوف تكشف الأيام القادمة المزيد منها، لكن عودة العراق كما كانت عليه أصبحت حلما نأمل ألا يكون بعيد المنال.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

مستقبل أفغانستان بعد خروج قوات الناتو

التالي

هيبة الدولة.. وقرارات الرئيس

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share