هذه ليست حربًا ضد حماس

ينبغي لأحداث الأسبوع الماضي أن تزيل أي شك في أن الحرب ضد الفلسطينيين في غزة هي عملية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. يوم الجمعة الماضي (08 ديسمبر 2023)، بينما وقفت إدارة بايدن بمفردها بين دول العالم في استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.
الحرب ضد حماس

*جيرمي سكاهيل

11 ديسمبر 2023

فكرة انتهاء الحرب بالإطاحة بحماس أو باستسلامها، فكرة خاطئة يكذبها التاريخ

ينبغي لأحداث الأسبوع الماضي أن تزيل أي شك في أن الحرب ضد الفلسطينيين في غزة هي عملية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. يوم الجمعة الماضي (08 ديسمبر 2023)، بينما وقفت إدارة بايدن بمفردها بين دول العالم في استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، كان وزير الخارجية أنتوني بلينكن مشغولاً بالتحايل على الكونغرس للموافقة على البيع “الطارئ” لـ 13.000 قذيفة دبابة إلى إسرائيل.

لأسابيع، كان بلينكن يتجول في أنحاء الشرق الأوسط ويظهر على عشرات شبكات التلفزيون في جولة علاقات عامة تهدف إلى ترويج فكرة مفادها أن البيت الأبيض يشعر بقلق عميق بشأن مصير سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. قال بلينكن في 08 نوفمبر 2023: “قُتل عدد كبير جداً من الفلسطينيين؛ وعانى عدد أكبر على مدار الأسابيع الماضية، ونريد أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع إلحاق الأذى بهم”. وبعد شهر واحد، ومع ارتفاع عدد القتلى بشكل كبير وتزايد الدعوات لوقف إطلاق النار، أكد بلينكن للعالم أن إسرائيل كانت تتخذ تدابير جديدة لحماية المدنيين، وأن الولايات المتحدة كانت تفعل كل ما في وسعها لتشجيع إسرائيل على استخدام قدر أكبر من الاعتدال في حملة القتل واسعة النطاق. لقد أدت أحداث يوم الجمعة (08 ديسمبر) إلى تحويل تلك الترهات إلى بركة من الدماء.

لم تكتف الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بأسلحة إضافية ودعم استخباراتي، بل قدمت غطاءً سياسياً حاسماً لحملة الأرض المحروقة لإبادة غزة باعتبارها أرضاً فلسطينية.

على مدى الشهرين الماضيين، كان بنيامين نتنياهو يحاور ويجادل على القنوات الإخبارية الأمريكية، بأن “حربنا هي حربكم”. وبالنظر إلى الماضي، لم يكن هذا نداءً موجهاً إلى البيت الأبيض. كان نتنياهو فقط يؤكد حقيقة واقعة.

فمنذ اللحظة التي تحدث فيها الرئيس جو بايدن مع “صديقه العظيم جدًا” نتنياهو في 7 أكتوبر/تشرين الأول، في أعقاب الغارات القاتلة التي قادتها حماس على إسرائيل، لم تكتف الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بأسلحة إضافية ودعم استخباراتي، بل قدمت غطاءً سياسياً حاسماً لحملة الأرض المحروقة لإبادة غزة باعتبارها أرضاً فلسطينية. ولم يكن هناك قيمة أو معنى لكل كلمات القلق والحذر التي خرجت من أفواه مسؤولي إدارة بايدن، بينما كانت جميع أفعالهم تهدف إلى زيادة الموت واتساع الدمار.

كانت الدعاية التي أطلقتها إدارة بايدن متطرفة للغاية في بعض الأحيان، حتى أن الجيش الإسرائيلي اقترح تخفيف حدة هذه الدعاية بدرجة أو اثنتين. ادعى بايدن زوراً أنه رأى صوراً لـ “إرهابيين يقطعون رؤوس الأطفال”، ثم نقل عن عمد هذا الادعاء الذي لم يتم التحقق منه على أنه حقيقة – بما في ذلك اعتراضات مستشاريه – وشكك علناً في عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين. لا شيء من هذا يأتي من قبيل الصدفة، ولا يمكن أن يعزى إلى ميل الرئيس إلى المبالغة أو الوقوع في الزلات.

كل ما نعرفه عن تاريخ بايدن الممتد لخمسين عامًا في دعم وتسهيل أسوأ الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل يؤدي إلى نتيجة واحدة: يريد بايدن أن يستمر تدمير إسرائيل لغزة – مع مقتل أكثر من 7000 طفل – كما حدث.

استهداف الأطفال في غزة على مدار الساعة

عرض الديستوبيا (المدينة الفاسدة) في إسرائيل

إن الطبيعة المروعة لهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي قادتها حماس لا تبرر بأي حال من الأحوال – أخلاقياً أو قانونياً – ما فعلته إسرائيل بالسكان المدنيين في غزة، الذين مات أكثر من 18 ألف منهم في مدة 60 يوماً. لا شيء يبرر قتل الأطفال على هذا النطاق الجنوني.

ما تقوم به دولة إسرائيل يتجاوز بكثير أي مبادئ أساسية تتعلق بالشرعية. إن جرائم إسرائيل نفسها تفوق جرائم حماس والجماعات الأخرى التي شاركت في عمليات 7 أكتوبر. ومع ذلك، يواصل بايدن وغيره من المسؤولين الأميركيين الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه، من خلال طرح فكرتهم البالية والملتوية حول حق إسرائيل في “الدفاع عن النفس”.

إذا طبقنا هذا المنطق – الذي روجت له كل من الولايات المتحدة وإسرائيل – على 75 عامًا من التاريخ قبل 7 أكتوبر، فكم مرة خلال تلك الفترة كان من الممكن “التبرير” للفلسطينيين لذبح الآلاف من الأطفال الإسرائيليين، والهجوم الممنهج والمتعمد على مستشفياتهم ومنشآتهم ومدارسهم؟ كم مرة كانوا سيتصرفون دفاعًا عن النفس بتسوية أحياء بأكملها وتحويلها إلى أنقاض، وتحويل المباني السكنية التي كان المدنيون الإسرائيليون يسكنونها ذات يوم إلى مقابر خرسانية؟

هذا التبرير لا يصلح إلا لإسرائيل، لأن الفلسطينيين لا يستطيعون فرض مثل هذا الدمار على إسرائيل وشعبها. ليس لديهم جيش، ولا قوات بحرية، ولا قوة جوية، ولا دول قومية قوية تزودهم بأحدث المعدات العسكرية وأكثرها فتكًا. ولا يملكون مئات الأسلحة النووية. تستطيع إسرائيل أن تحرق غزة وشعبها وتسويها بالأرض لأن الولايات المتحدة تسهل ذلك، سياسياً وعسكرياً.

على الرغم من كل الوقت الذي استهلكه بلينكن وغيره من المسؤولين الأمريكيين في التظاهر بمسألة حماية المدنيين الفلسطينيين، فإن ما تكشف على الأرض ليس أقل من تجميع سكان غزة في قفص قتل يضيق عليهم باستمرار.

في الأول من ديسمبر/كانون الأول، أصدرت إسرائيل خريطة لغزة مقسمة إلى مئات المناطق المرقمة. وعلى موقع الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، شجع الإسرائيليون سكان غزة على مسح الرمز لتنزيل الخريطة ومراقبة أهداف قوات الجيش الإسرائيلي لمعرفة متى يحتاجون إلى الإخلاء إلى منطقة أخرى لتجنب التعرض للقتل بالقنابل الإسرائيلية أو العمليات البرية.

هذا ليس أقل من عرض نيتفليكس بائس تنتجه إسرائيل، لا يكون للمشاركين فيه خيار الانسحاب، وسيؤدي أي خطأ في تخمين المنطقة المقصودة، إلى تشويهك أو قتل أطفالك. أليس من الغريب بالأساس أن نطلب من السكان المحاصرين الذين لا يستطيعون الوصول إلى الغذاء أو الماء أو السكن – والذين تم قطع كافة الاتصالات عنهم أكثر من مرة – أن يتصلوا بالإنترنت لتنزيل خريطة “النجاة” من قوة عسكرية “ترهبهم”؟

طوال عرض بلينكن الفردي الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل أنها تود حماية المدنيين، قامت إسرائيل مرارًا وتكرارًا بضرب مناطق في غزة طلبت من السكان الفرار إليها. وفي بعض الحالات، أرسل الجيش الإسرائيلي رسائل نصية قصيرة إلى الناس قبل 10 دقائق فقط من الهجوم. وجاء في إحدى هذه الرسائل ما يلي: “سيبدأ جيش الدفاع الإسرائيلي هجومًا عسكريًا ساحقًا على منطقة سكنك بهدف القضاء على منظمة حماس الإرهابية”.

على مدى شهرين، قال العديد من المسؤولين والمشرعين الإسرائيليين إن نيتهم هي خنق الفلسطينيين في غزة بشكل جماعي لإجبارهم على الاستسلام، أو الموت، أو الهروب.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال إن الفلسطينيين يعاملون “مثل الكرات البشرية – التي ترتد بين الشمال والجنوب، دون توفر أي من أساسيات البقاء”. وعزا بلينكن “الكومة” المتزايدة باستمرار من الجثث الفلسطينية إلى “التفاوت والفجوة” بين نية إسرائيل المعلنة لتقليل الوفيات بين المدنيين، وعملياتها العسكرية، وأضاف: “أعتقد أن النية موجودة، لكن النتائج لا تكون نفسها دائمًا”.

بدا غضب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي واضحًا عندما سُئل في 6 ديسمبر/كانون الأول عن عمليات القتل الإسرائيلية واسعة النطاق للمدنيين، فقال: “استراتيجية قوات الدفاع الإسرائيلية ليست قتل الأبرياء، أعترف أنه قد يحدث، لكن الأمر ليس كما لو أن الإسرائيليين يجلسون كل صباح ويقولون: كم عدد المدنيين الذين يمكننا أن نقتلهم اليوم؟ هيا لنقصف مدرسة أو مستشفى أو مبنى سكني ونتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين، إسرائيل لا تفعل ذلك”.

 إحدى مشكلات كلام كيربي الصاخب هي أن الهجمات ضد المدنيين والمدارس والمستشفيات هي بالضبط ما تفعله إسرائيل – بشكل متكرر؛ ولا يهم ما يعتقده كيربي عن نية الجيش الإسرائيلي.

ليست هناك كذبة أكثر فحشًا من تبرير المذبحة الجماعية لشعب وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي بـ “الحيوانات البشرية”.

على مدى شهرين، قال العديد من المسؤولين والمشرعين الإسرائيليين إن نيتهم هي خنق الفلسطينيين في غزة بشكل جماعي لإجبارهم على الاستسلام، أو الموت، أو الهروب.

وفي نهاية المطاف تم القضاء تمامًا على ادعاءات كيربي من خلال ما تم الكشف عنه في تقرير استقصائي حديث أجرته مجلة 972 و Local Call ، والمستند إلى مقابلات مع سبعة مصادر عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، تصف بالتفصيل كيف أن إسرائيل تعرف بدقة عدد المدنيين الموجودين في المباني التي تقصفها، وفي بعض الأحيان قتلت عمداً مئات المدنيين الفلسطينيين من أجل قتل قائد واحد كبير في حماس. وقال مصدر إسرائيلي: “لا شيء يحدث بالصدفة”. “عندما تُقتل فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات في منزل في غزة، فذلك لأن أحد أفراد الجيش قرر أن قتلها ليس بالأمر الكبير – وأن ذلك هو الثمن الذي يستحق دفعه من أجل ضرب هدف آخر، نحن لسنا حماس، هذه ليست صواريخ عشوائية، كل شيء متعمد، نحن نعرف بالضبط حجم الأضرار الجانبية الموجودة في كل منزل”.

وبينما تعمل إسرائيل على تصعيد آلة القتل، فإنها تواصل شن حرب دعائية تتسق مع حملتها الشاملة للقتل الجماعي. ليست هناك كذبة أكثر فحشًا من تبرير المذبحة الجماعية لشعب وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي بـ “الحيوانات البشرية”. وبحسب هذه الحملة، لا يوجد أطفال فلسطينيون، ولا مستشفيات فلسطينية، ولا مدارس فلسطينية؛ مباني وطواقم الأمم المتحدة هي حماس، الصحفيون هم حماس، ورؤساء وزراء بلجيكا وإسبانيا وإيرلندا هم حماس، وكل من يعارض ولو أقل القليل من رواية الإبادة الجماعية هو حماس.

لقد اعتادت إسرائيل على قبول العديد من وسائل الإعلام الغربية لأكاذيبها، عندما تنقل لهم أي شيء عن الفلسطينيين، بغض النظر عن مدى فظاعته أو حقارته، ولكن حتى وسائل الإعلام التي تتمتع بسجل طويل في الترويج للرواية الإسرائيلية دون رادع، اتجهت نحو الشك؛ ليس لأن ضمائرهم قد تغيرت، بل لأن الدعاية الإسرائيلية هزلية إلى الحد الذي يجعل من المحرج التظاهر بأن الأمر غير ذلك.

نشرت القوات الإسرائيلية عدة صور ومقاطع فيديو في الأيام الأخيرة لرجال فلسطينيين جردوا من ملابسهم الداخلية – وبعضهم معصوب العينين – وزعموا أنهم جميعًا من إرهابيي حماس الذين استسلموا. هذه الادعاءات أيضًا انهارت باستخدام الحد الأدنى من التدقيق: فقد تم التعرف على بعض الرجال، وتبين أنهم صحفيون، وأصحاب متاجر، وموظفون في الأمم المتحدة.

وفي إحدى الدعايات السخيفة الأخرى، ظهر مقطع فيديو صوره جنود الجيش الإسرائيلي وتم توزيعه عبر الإنترنت، لأسرى فلسطينيين عراة وهم يلقون بنادقهم المزعومة.

ودافع المتحدث باسم الحكومة مارك ريجيف عن مشاهد تجريد المعتقلين من ملابسهم قائلًا لمضيفه في شبكة سكاي نيوز: “تعلمون أن الشرق الأوسط هنا أكثر دفئًا، لا سيما خلال النهار عندما يكون الجو مشمسًا، قد لا يكون من اللطيف أن يُطلب منك خلع قميصك، ولكنها ليست نهاية العالم”. وأضاف: “نحن نبحث عن أشخاص يخفون الأسلحة، وخاصة الانتحاريين الذين يرتدون سترات ناسفة”.

وعندما سُئل ريغيف عن هذا الانتهاك الصريح لاتفاقيات جنيف التي تحظر نشر مقاطع فيديو لأسرى الحرب، قال: “لست على دراية بهذا المستوى من القانون الدولي”، مضيفًا (كما لو كان الأمر مهمًا) أنه لا يعتقد أن مقاطع الفيديو تم نشرها من خلال القنوات الحكومية الإسرائيلية الرسمية. وأضاف: “هؤلاء رجال في سن الخدمة العسكرية تم اعتقالهم في منطقة قتال”.

لذا فإن ما لدينا هنا يشكل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف وإنتاجًا غير أخلاقي، يتم فيه إجبار المدنيين الفلسطينيين تحت تهديد السلاح على لعب دور مقاتلي حماس في فيلم دعائي إسرائيلي.

مقابر جماعية في غزة

لا يوجد طريق للمقاومة

لقد أصبح واضحًا بما لا يقبل الجدل خلال الشهرين الماضيين أنه لا يوجد في الواقع جانبان لمسلسل الرعب هذا. ومما لا شك فيه أن الذين ارتكبوا الفظائع ضد المدنيين الإسرائيليين في 7 أكتوبر يجب أن يخضعوا للمحاسبة، لكن ليس هذا هو الهدف من عملية القتل الجماعي هذه، ويجب على الصحفيين أن يتوقفوا عن التظاهر بذلك.

لقد فرضت إسرائيل، بالقوة المميتة، قاعدة مفادها أن الفلسطينيين ليس لهم حقوق مشروعة في أي شكل من أشكال المقاومة.

إن أي تحليل للحملة الإرهابية التي تشنها دولة إسرائيل ضد شعب غزة لا يمكن أن يبدأ بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول. إن الفحص الصادق للوضع الحالي يجب أن ينظر إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول في سياق الحرب الإسرائيلية التي دامت 75 عاماً ضد الفلسطينيين والعقدين الماضيين. بدءًا من تحويل غزة إلى سجن مفتوح، إلى وضعها الآن كقفص للقتل.

وتحت تهديد الوصم بمعاداة السامية، تطالب إسرائيل والمدافعون عنها بقبول المنطق الرسمي الإسرائيلي لتصرفاتها غير العقلانية باعتبارها مشروعة، حتى لو كان كذبًا مفضوحًا أو تبريرًا لجرائم الحرب.

قال المحلل الفلسطيني معين رباني لموقع إنترسبت مؤخرًا “أنتم تنظرون إلى إسرائيل اليوم، هذه دولة وصلت حدًا من الجنون غير العقلاني والمسعور لدرجة أن حكومتها تتهم بشكل روتيني أقرب حلفائها بدعم الإرهاب”.

إن الفكرة القائلة بأن الفلسطينيين في غزة قادرون على إنهاء معاناتهم من خلال الإطاحة بحماس هي فكرة سخيفة، وتفتقر إلى أي دراية بالتاريخ

لقد فرضت إسرائيل، بالقوة المميتة، قاعدة مفادها أن الفلسطينيين ليس لهم حقوق مشروعة في أي شكل من أشكال المقاومة. حتى عندما نظموا مظاهرات سلمية، تعرضوا للهجوم والقتل. كان هذا هو الحال في 2018-2019 عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار على المتظاهرين العزل خلال مسيرة العودة الكبرى، مما أسفر عن مقتل 223 شخصًا وإصابة أكثر من 8000 آخرين. وتفاخر القناصة الإسرائيليون فيما بعد بإطلاق النار على عشرات المتظاهرين في ركبهم خلال مظاهرات الجمعة الأسبوعية. وعندما يقاوم الفلسطينيون جنود جيش الفصل العنصري، يُقتلون أو يُرسلون إلى المحاكم العسكرية. فالأطفال الذين يرشقون الدبابات أو الجنود بالحجارة يُصنفون على أنهم إرهابيون ويتعرضون للإيذاء وانتهاكات الحقوق الأساسية – هذا إذا لم يُقتلوا بالرصاص. يعيش الفلسطينيون حياة مجردة من أي سياق أو أي وسيلة لمعالجة المظالم الجسيمة المفروضة عليهم.

ولا يمكن مناقشة جرائم حماس أو الجهاد الإسلامي أو أي فصائل مقاومة مسلحة أخرى دون أن نتناول أولاً مسألة سبب وجود هذه الجماعات وحصولها على هذا الدعم والتعاطف. من المؤكد أن أحد جوانب هذا يجب أن يستكشف دور نتنياهو – الذي يمتد إلى عام 2012 على الأقل – في دعم حماس وتسهيل تدفق الأموال إلى الحركة. فقد قال نتنياهو لرفاقه في الليكود في عام 2019: “على أي شخص يريد إحباط إقامة دولة فلسطينية أن يدعم تعزيز حماس ونقل الأموال إلى حماس”.

ولكن بالمعنى الأوسع، فإن أي بحث صادق ومتجرد في الأسباب التي جعلت حركة مثل حماس تكتسب تلك الشعبية بين الفلسطينيين، أو لماذا يلجأ الناس في غزة إلى الكفاح المسلح، لابد أن يركز على الكيفية والطرق التي يلجأ لها المضطهدون لمواجهة الظالم عندما يُجردون من كافة أشكال المقاومة المشروعة. وينبغي أن يركز على حقوق الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال في تأكيد حقهم في تقرير المصير والدفاع عنه.

ينبغي أن يُسمح للفلسطينيين بوضع نضالهم في سياق المعارك التاريخية الأخرى من أجل التحرر والاستقلال، وعدم تحويل نضالهم إلى جدالات عنصرية حول كيف أن جميع أعمال المقاومة الفلسطينية تشكل إرهابًا، وأنه لا يوجد في الواقع أي أبرياء في غزة. وقد قال الرئيس الإسرائيلي ذلك في 13 أكتوبر/تشرين الأول، فقد أعلن إسحاق هرتزوج: “إن الأمة بأكملها في غزة هي المسؤولة؛ هذا الخطاب حول عدم علم المدنيين أو عدم تورطهم ليس صحيحًا، ليس صحيحًا على الاطلاق. كان من الممكن أن ينتفضوا. كان بإمكانهم القتال ضد ذلك النظام الشرير الذي استولى على غزة في انقلاب”.

إن الفكرة القائلة بأن الفلسطينيين في غزة قادرون على إنهاء معاناتهم من خلال الإطاحة بحماس هي فكرة سخيفة، وتفتقر إلى أي دراية بالتاريخ، تمامًا مثل الادعاءات المتكررة بأن الحرب ضد غزة سوف تنتهي إذا استسلمت حماس وأطلقت سراح جميع الرهائن الإسرائيليين. بلينكن قال في 10 ديسمبر- كانون الأول: “انظروا، كل هذا قد ينتهي غدًا. إذا ابتعدت حماس عن طريق المدنيين بدلاً من الاختباء خلفهم، وإذا ألقت سلاحها، واستسلمت”. وهذا بالطبع كذب فج. مع حماس أو بدونها، ستستمر حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين على وجه التحديد بسبب بلينكن وأمثاله في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية المكونة من الحزبين.

طوال سنوات الدعم الأمريكي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، سهّلت الإدارة الأمريكية باستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة “اقتلاع العشب” في غزة. ما يجري حاليًا ليس سلسلة من الهجمات الدورية على حماس، بل هي حملة دورية من التفجيرات الإرهابية تستهدف إلى حد كبير المدنيين والبنية التحتية المدنية. إن إدارة بايدن – وبايدن شخصيًا – لم يكونوا أبدًا مجرد مراقبين من الخارج، أو أصدقاء يشجعون الاعتدال خلال حملة صليبية عادلة.

لم يكن من الممكن أن تحدث أي من هذه المذابح لو كان بايدن يقدر حياة الفلسطينيين ويقدمها على روايات إسرائيل الكاذبة، وحروب الإبادة العرقية الدموية التي أعيد تقديمها على أنها دفاع عن النفس. يتعين علينا أن ننهي التمثيلية القائلة إن هذه حرب إسرائيلية ضد حماس. وعلينا أن نسميها كما هي: حرب أمريكية إسرائيلية مشتركة ضد شعب غزة.

_________________

  • صحفي أمريكي

موقع “ذي إنترسبت الأمريكي” (The Intercept)

رابط المقال

المزيد
الجيش الأكثر إجراماً في التاريخ؟

Total
0
Shares
السابق
سلمان أبو ستة

المخطط الإسرائيلي للهيمنة على المنطقة

التالي
بهجت أبو غربية

مصادر سلاح المقاومة الفلسطينية..وكواليس قرار التقسيم

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share