الرؤية الصهيونية تجاه العرب

يتحدث الدكتور عبد الوهاب المسيري، أحد أبرز الخبراء في الحركة الصهيونية ومؤلف أكبر موسوعة عنها، مع الإعلامي أحمد منصور في حلقة برنامج بلا حدود، عن الرؤية الصهيونية تجاه العرب. ويوضح المسيري أبعاد الصراع العربي الإسرائيلي وجذوره، وتشكيل الرؤية الصهيونية تجاه العرب، وهي النظرة التي دفعتهم إلى ارتكاب جرائم التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني
عبد الوهاب المسيري

يتحدث الدكتور عبد الوهاب المسيري، أحد أبرز الخبراء في الحركة الصهيونية ومؤلف أكبر موسوعة عنها، مع الإعلامي أحمد منصور في حلقة برنامج بلا حدود، عن الرؤية الصهيونية تجاه العرب.

ويوضح المسيري أبعاد الصراع العربي الإسرائيلي وجذوره، وتشكيل الرؤية الصهيونية تجاه العرب، وهي النظرة التي دفعتهم إلى ارتكاب جرائم التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني.

نص حوار عبد الوهاب المسيري عن الرؤية الصهيونية تجاه العرب

أحمد منصور:

هذه المقولة متى تبلورت بالدقة؟ ومتى سعى الصهاينة إلى محاولة إنزالها على أرض الواقع في فلسطين؟

الأرض العذراء

أحمد منصور:

دكتور، متى ظهرت مقولة (أرض بلا شعب) بالنسبة لليهود؟ ومتى سعوا لإنزالها، أو لتحقيقها على أرض الواقع في فلسطين؟

د. عبد الوهاب المسيري:

أنا سعيد إنك سألت هذا السؤال، لأنه في الواقع وُلدت هذه المقولة في الأوساط الاستعمارية الغربية غير اليهودية، أي قبل ظهور الصهيونية النظرية، لأنها جزء من الاعتذاريات الاستعمارية بشكل عام، بمعنى أن المستوطنين البيض حينما استوطنوا في أمريكا الشمالية كانوا يسمونها (الأرض العذراء) أي أرض بلا شعب، نفس الشيء بالنسبة لجنوب إفريقيا، وهذا التصور هو في الواقع مقدمة للإبادة، لأنه إذا كانت أرض فارغة إذاً ما فيها هو غير موجود، ويمكن إبادته، أي أنك تسقط إنسانية السكان الأصليين عنهم من خلال هذه المقولة، فهي قد بُلورت في الواقع على يد السياسي الإنجليزي (لورد شافتس برييه) في منتصف القرن التاسع عشر، كانت موجودة بشكل جنيني، ثم بُلورت، وورثها الصهاينة من بين أعضاء الجماعات اليهودية.

لماذا اختارت الصهيونية فلسطين

أحمد منصور:

متى سعى الصهاينة لتحقيقها على أرض فلسطين؟ ولماذا اختاروا فلسطين تحديداً؟ وهل صحيح أنه كان هناك أماكن أخرى مرشحة لهذا الموقع الاستيطاني ثم استُبدلت بفلسطين بعد ذلك؟

د. عبد الوهاب المسيري:

نعم، أصل هو في الواقع أوروبا كانت بدأت تفكر هذا التفكير الصهيوني على مستويين:

أول مستوى: إن الحل الإمبريالي لجميع مشاكل أوروبا هو تصديرها، فكان عندهم مسألة يهودية، فكيف نتخلص منها؟ بتصديرها إلى الخارج، تماماً كما صدروا المجرمين، وصدرنا المحتجين دينياً، وهكذا، وصدروا الفاشلين اجتماعياً، فكان لابد من أن يتم تصدير اليهود، في هذه المرحلة كان البحث يتم عن أي أرض، موزمبيق، الأرجنتين، العريش كذا، لكن اللي حدث إن المسألة اليهودية التقت مع المسألة العثمانية، المسألة العثمانية هي إن أوروبا قررت تقسيم العالم –الدولة العثمانية- فوجدوا من الضروري إنشاء دولة استيطانية في هذا المكان، فمن خلال تزاوج الحل الإمبريالي للمسألة اليهودية، والتصور الإمبريالي للمنطقة حدث تزاوج بين العنصرين، وتم تقرير فلسطين كمكان لاستيطان اليهود، وهذا نشأ مرة أخرى في الأوساط الاستعمارية قبل أن ينشأ في أوساط اليهود.

التفسير التوراتي لأرض الميعاد

أحمد منصور:

لكن هنا –ربما- هذا يختلف مع التفسير التوراتي لأرض الميعاد التي يهاجر لها اليهود الآن، اختيار اليهود لفلسطين نابع من منطلق توراتي عقائدي بأنها أرض الميعاد، وأن من حق أي يهودي في أي مكان في العالم الحصول على حق المواطنة والعودة إلى أرض الميعاد، أما يختلف هذا التصور عن الواقع الحالي بالنسبة لليهود ورؤيتهم لفلسطين؟

د. عبد الوهاب المسيري:

أنا سوف أفاجئك بالقول: إنه العودة إلى فلسطين، أو إسرائيل كانت محرمة من العقيدة اليهودية حتى أواخر القرن التاسع عشر.

أحمد منصور:

كيف؟

التعجيل بالنهاية

د. عبد الوهاب المسيري:

كان العودة إليها شيء محرم، كانت تسمى خطيئة الـ (ضحكت هاكيتس) أي: التعجيل بالنهاية، لأن العودة إلى فلسطين يجب أن تتم تحت قيادة المسيح المخلّص اليهودي –المشيح- فإن لم يأت فعلى اليهود الانتظار في صبر وأناة، ده التصور اليهودية الحاخامية حتى أواخر القرن التاسع عشر، ولذلك في المؤتمر الصهيوني الأول عارضته كل الجماعات اليهودية الدينية..

أحمد منصور[مقاطعاً]:

ده اللي عقده (هرتزل) في بال؟

د. عبد الوهاب المسيري:

نعم، عارضته..

المؤتمر الصهيوني الأول

أحمد منصور[مقاطعاً]:

1897م، نعم.

د. عبد الوهاب المسيري:

في الواقع كان يود عقد المؤتمر الصهيوني الأول في (ميونخ) حيث تُوجد جماعة يهودية كبيرة لكنه بسبب ضغط هذه الجماعة اليهودية اضطر أن ينتقل إلى بازل في سويسرا، حيث توجد جماعة يهودية صغيرة، يمكنها أن تمارس الضغط على بلدية المدينة.

الذي حدث بقى بعد ذلك مع التبني الغربي للمشروع الصهيوني، ومع تفاقم المسألة اليهودية، ومع الرغبة الغربية الملحة في إنشاء دولة صهيونية في فلسطين بدأ عملية صهينة اليهودية من الداخل، ولم يبق من هؤلاء المعارضين سوى جماعة (الناطوري كارتا) وهي جماعة تقوم بحرق علم إسرائيل كل عام..

أحمد منصور[مقاطعاً]:

وهذه موجودة إلى الآن.

د. عبد الوهاب المسيري:

موجودة.

أحمد منصور:

وهؤلاء يعارضون التواجد اليهودي في فلسطين على اعتبار أن هذا يعجل بنهاية اليهود والقضاء عليهم.

د. عبد الوهاب المسيري:

أنه يتحدى مشيئة الإله.

أحمد منصور:

بالنسبة للرؤية اليهودية.

د. عبد الوهاب المسيري:

نعم.

الرؤية الصهيونية تجاه العرب

أحمد منصور:

بالنسبة للرؤية اليهودية التوراتية، يعني الآن لجوء اليهود إلى فلسطين لم يتطابق مع الرؤية اليهودية التوراتية التي كانت تحرم ذلك، وإنما تطابقت الرؤية الصهيونية مع الرؤية الإمبريالية أو الاستعمارية الغربية، وأدت إلى لجوء اليهود إلى فلسطين، وسعيهم لإقامة إسرائيل على أطلالها في.. من خلال التقسيم في 47 والدولة في 48.

د. عبد الوهاب المسيري:

آه، لكن كما قلت: إنه تم تغيير العقيدة اليهودية من الداخل، بحيث أمكن توليد ديباجات صهيونية من داخل اليهودية نفسها، خاصة اليهودية فيها مشكلة، أنها عقيدة تحتوى على عقائد متناقضة.

الاستعماري الاستيطاني الإحلالي

أحمد منصور:

دكتور، كنت تتحدث عن جذور العنف لدى اليهود، وآثرت أن تكمل هذه النقطة، ثم نعود إلى سؤالنا الذي طرحناه قبل الموجز، تفضل.

د. عبد الوهاب المسيري:

نعم، كما أشرت إنه العنف الصهيوني هو جزء من العنف الاستعماري الاستيطاني الإحلالي، جوهر الاستيطان الإحلالي هو نقل كتلة بشرية من الغرب وتوطينها خارج العالم الغربي، اللي هو مثلاً: أمريكا الشمالية، فلسطين، موزمبيق، وهكذا، شهدت كلها تجارب استيطانية.

ما يتغير في جميع الحالات هو الديباجات.

أحمد منصور:

كيف؟

د. عبد الوهاب المسيري:

فمثلاً: تم الاستيطان في جنوب أفريقيا باسم المسيحية، تم الاستيطان في أستراليا باسم تفوّق الإنسان الأبيض، تم الاستيطان في أمريكا الشمالية باعتبارها أنها أرض عذراء منحها الله للبيوريتانيين، اللي هم المستوطنين الأُول، تم في فلسطين باعتبار أن اليهود شعب مختار، وأنه قد وُعد هذه الأرض، ما يتغير في جميع الحالات هو التبريرات، وليس الفعل الاستيطاني نفسه.

الفعل الاستيطاني نفسه واحد، بالعكس –كما بينت- إن التبريرات نفسها مشتركة، سواء بقي إن دي أرض عذراء، أنه لا يوجد تاريخ، إن السكان متخلفين يستحقون الموت، في الواقع بقى معظم الجيوب الاستيطانية هذه استخدمت تبريرات إنجيلية، وهنا تلتقي الديباجات الصهيونية مع الديباجات البيضاء، لدرجة أقول حقيقة طريفة: إنه حينما كانوا يناقشون اللغة التي يجب أن تستخدم في الولايات المتحدة عند الاستقلال بعضهم اقترح العبرية باعتبار إن هذه أرض..

أحمد منصور[مقاطعاً]:

رغم إن عدد اليهود عند الاستقلال لم يتجاوز خمسة آلاف يهودي في الولايات المتحدة حسب..

د. عبد الوهاب المسيري:

لا هو لم يكن لهم وجود، لكن رغم ذلك هي الرؤية الإنجيلية والتوراة جزء من الإنجيل للذات باعتباره هو، كانوا يسمون أنفسهم عبرانيين يصعدون إلى أرض الميعاد، وإن السكان الأصليين هم كنعانيين يستحقون القتل، تماماً كما فعل الصهاينةٍ..

أحمد منصور[مقاطعاً]:

وهذه هي الرؤية الآن الصهيونية بالنسبة للعرب.

د. عبد الوهاب المسيري[مستأنفاً]:

نعم، دخل بقى على العنصر ده عنصر الديباجات اليهودية التي ترى أن هناك فارق بين اليهود والأغيار، أن اليهود شعب مختار، هذا تحول إلى إن هو شعب تفوق عنصرياً وهكذا.

العنف الصهيوني

أحمد منصور:

كيف ينظرون إلينا نحن العرب؟ كيف تكونت هذه الرؤية الصهيونية ا لتي تدفع الجندي الإسرائيلي إلى أن يقتل الطفل الأعزل بدم بارد وكأنه.. ولا يشعر بأي شكل من أشكال الشعور بالذنب تجاه هذه الفعلة؟

د. عبد الوهاب المسيري:

هنا أحب أن أرى مقولات ثلاثة، ثلاث عناصر، إنه ينظر للعربي أولاً: باعتباره متخلف، ثم ينظر له باعتباره شخص هامشي، لا علاقة له بهذه الأرض، وأخيراً: يرى العربي على إنه إنسان غير موجود.

أحمد منصور:

يتم بناء هذه الأشياء في داخله من خلال المصادر الصهيونية، ومن خلال التربية الطويلة في الكيوبوتس وغيرها من الأماكن؟

د. عبد الوهاب المسيري:

يعني ومن خلال التربية الاستعمارية أيضاً، كل هذه العناصر تدخلت، بحيث إنه بيعيش داخل الأدبيات الصهيونية، والأدبيات الاستعمارية التي تجعل من شعوب العالم الثالث وإفريقيا وآسيا شعوب لا وجود لها، لكن كما نرى إنها مرحلة تصاعدية تبدأ بالإنسان المتخلف، وفي الوسط الإنسان الهامشي، والآخر الإنسان العربي الذي لا وجود له.

وضيف إلى هذا بقى عنصر هام، إنه المستوطن الصهيوني مثل كل المستوطنين في حالة خوف وفزع دائم نسميه الهاجس الأمني، لأنه يعرف في أعماق أعماقه أن سلب الأرض، يعرف أن السكان الأصليين جالسين متربصين به، يعرف أن هؤلاء السكان في يوم من الأيام سينهضون ضده، ومن ثم هو دائماً في حالة خوف، والخوف –بالمناسبة- لا يولد الفرار، بالعكس في البداية يولد وحشية أكثر.

أحمد منصور:

وده اللي حصل في 47 – 48 يعني وأنا أطالع خلال الأيام الماضية كنت أُصاب بشكل من أشكال الذهول حول الوحشية التي كان يقوم بها اليهود ضد الفلسطينيين47/48، عمليات إن هو يحرق الناس ويتلذذ، وهو يشاهدهم وهم يحترقون وهم أحياء، عملية أن يأتي بمجموعة، ويطلب منها أن تحفر قبورها ثم يقتلها، ويطلب من الآخرين أن يرموا وجثثهم، يعني شيء بشع استُخدم منهم في البداية، كيف يكون عندهم الخوف وفي النفس الوقت يقومون بارتكاب هذه الأعمال الوحشية؟

د. عبد الوهاب المسيري:

في الواقع الخوف هو أحد الأسباب الذي يصاحب العمل الوحشي، لأنك حينما تخاف من إنسان، فأنت تحاول بقدر الإمكان القضاء عليه، وإذا ظل هذا هو الموقف إلى أن تكتشف إن القضاء عليه مستحيل، حينئذ تولي الأدبار، بمعنى إنه.. وهذا حدث في الجزائر، حدث في كل الجيوب الاستيطانية، تبدأ بمرحلة مقاومة شرسة من جانب المستوطنين ثم يولوا الأدبار بعد ذلك.

أحمد منصور:

لكن الآن إحنا أمامنا خمسين سنة تقريباً من عمليات الإرهاب، وعمليات العنف الدموي التي يقوم بها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، ألم تتغير الرؤية الصهيونية الاستيطانية الاستعمارية على مدار الخمسين سنة من خلال مراحل التعامل المختلفة مع الفلسطينيين؟

د. عبد الوهاب المسيري:

بين 48 و67 هو نجح في خلق استعمار استيطاني إحلالي، بمعنى إنه كانت دولة يهودية خالصة، معظم ما فيها من اليهود، توجد أقلية عربية مهمشة. 67 تغير الوضع كثيراً.

أحمد منصور:

كيف؟

د. عبد الوهاب المسيري:

إن هو ضم كتلة سكانية ضخمة في الضفة الغربية وغزة، ومن ثم تحول من استعمار استيطاني إحلالي إلى استعمار استيطاني من نوع الـ apartheid أي التفرقة العنصرية مثل جنوب أفريقيا، وهنا بدأ ول اشتباك بينه وبين الكتلة البشرية الفلسطينية..

انتفاضة 87

أحمد منصور[مقاطعاً]:

اللي هي تصاعدت على أن وصلت للانتفاضة في 87.

د. عبد الوهاب المسيري:

بالضبط، وبأعتقد إن انتفاضة 87 نجحت في شيء، إنها قضت على المقولة الثالثة (أن العربي غير موجود) قضت عليها تماماً، ومن هنا قبوله أوسلو. فأوسلو رغم كل ما عندنا من تحفظات عليها إلا أنها في نهاية الأمر تصدر من مقولة أن العربي موجود، وأنه من حقه –بين قوسين- أن يكون له شكل من أشكال السيادة، السلطة الفلسطينية كما يسمونها، وأنه له حق في تنظيم نفسه، الحق هنا –بالمناسبة ينصرف إلى البشر وحسب، وليس إلى لأرض، بمعنى إن الأرض تظل هي جزء من التصور الإسرائيلي، أما الفلسطينيين، كما لو كانوا يُفصلوا من الأرض هذه، ولا تصبح لهم سيادة محدودة على أنفسهم وعلى هذه الأرض.

انتفاضة الأقصى هذه بأعتقد قضت على تصور..

أحمد منصور[مقاطعاً]:

28 سبتمبر 2000م.

د. عبد الوهاب المسيري:

آه، انتفاضة الأقصى التي يسمونها الآن –أيضاً- انتفاضة الاستقلال، ودي مسألة مهمة جداً.

أحمد منصور:

كيف يا دكتور؟

د. عبد الوهاب المسيري:

بمعنى إنه المسألة ليست الأقصى وحسب، وإنما هي مسألة أن الشعب الفلسطيني من حقه أن يقيم دولته المستقلة الحرة على أرض حرة، يتطلب هذا فك المستوطنات، يتطلب هذا إن العاصمة تكون القدس الشرقية، يتطلب هذا إن هذه الدولة يكون لها علاقات مع بقية الشعب العربي، ومع بقية..

أحمد منصور[مقاطعاً]:

ده الكلام ده لو أن السلطة هي التي أدت إلى اندلاع هذه الانتفاضة، وهي التي تستثمر نتائجها، لكن حتى استثمار نتائج –كما يقول كثير من المؤرخين- انتفاضة 87 لم تكن بالشكل الذي تمت به، يعني قبل يومين فقط نشر تحليل عن انتفاضة 87 وانتفاضة سبتمبر 2000م، في انتفاضة 87 لم تقم بها السلطة الفلسطينية، قام بها الشعب الفلسطيني هو الذي انتفض، ومع ذلك تم.. جُنيت الثمار من قبل السلطة من الخارج، ولم تكن هذه طموحات الفلسطينيين، الآن انتفاضة 2000م هذه أما يمكن أن يحدث فيها نفس الشيء، على اعتبار أن الذين قاموا بالانتفاضة يختلفون عن الذين الآن يفاوضون باسم الانتفاضة؟

د. عبد الوهاب المسيري:

كل شيء ممكن –طبعاً- في الواقع النمط الصهيوني في الالتفاف حول انتفاضات الشعب الفلسطيني العظيم هي دائماً تأخذ هذا النمط، إنه حينما يشعر الصهاينة إنه ليس بوسعهم التصدي للفلسطينيين يلتفون حولهم، ويلجؤون إما لقوة عظمى، إما إلى حكومة عربية، إما إلى كذا إلى كذا، وتأتي هذه الحكومات أو يأتي القوة العظمى مثل إنجلترا تقول: أنها ستقوم بمنع الهجرة، ستقوم بكذا وكذا، فيهدأ الشارع، هذا ما حدث عام 1987، وأعتقد إن إسرائيل ذهبت إلى مدريد، وأسقطت مقولة (العربي الغائب) نتيجة لهذه الانتفاضة، بمعنى إنها تركت أثر، وأحرز الشعب الفلسطيني بعد الانتصارات، هي دون المستوى، كان يمكن توظيف الانتفاضة بشكل أحسن، لكن هذا ما حدث، ويجب علينا ألا ننكر أن –مثلاً- الاعتراف بالفلسطينيين، وأن لأول مرة دولة إسرائيل يصبح لها حدود، دي مسألة جديدة أيضاً.

أحمد منصور[مقاطعاً]:

ليس لها حدود، يعني هي فعلياً ليس لها حدود؟

د. عبد الوهاب المسيري:

لا. يعني..

أحمد منصور[مقاطعاً]:

ليس لها دستور، وليس لها حدود، وهذه سآتي لك يالتفصيل فيها، لكن أنت أشرت لنقطة مهمة –يا دكتور- إحنا أيضاً نريد أن نفهمها، على اعتبار أن الولايات المتحدة هي مقولة ثابتة منذ دعم الولايات المتحدة لقيام إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وهو التزام الولايات المتحدة بما يُسمى بأمن إسرائيل ومفهوم الأمن لدى الإسرائيليين، واسمح لي أسمع منك تفصيل مفهوم الأمن الإسرائيلي باعتباره الشغل الشاغل للكيان الصهيوني، والشغل الشاغل –أيضاً- للممول الخارجي وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

انتفاضة الأقصى

أحمد منصور:

طب العرب الآن وقعوا اتفاقات وبيحاولوا يؤمنوا لهم مزيد من التنازلات العربية والتنازلات الفلسطينية اليومية فيما يتعلق بالأمن تحديداً، حتى إن لو كل المسارات تعطلت يظل المسار الأمني مستمر بشكل أساسي، أما يعطيهم هذا شيئاً من الطمأنينة؟

د. عبد الوهاب المسيري:

كان بدأ يعطيهم شيء من الطمأنينة، ثم جاءت انتفاضة الأقصى وقضت عليه، وكما قال وزير العدل يوسي بلين: أن حتى لو عدنا للمفاوضات مرة أخرى فهذا الكابوس سيترك جرحاً غائراً في نفوسنا.. فأنا باعتقد أنا بأتفق مع وزير العدل الإسرائيلي في هذا. الأمن الإسرائيلي كان حتى.. عام 73 كان مبني على فكرة بسيطة أن هناك شيء يسمى الحدود الآمنة بمعنى إنه لو أخذنا حواجز مائية وجبال وأرض معينة نصل إلى الحدود الآمنة جغرافياً فنجلس إلى أن.. كما قال ديان: نحن ننتظر مكالمة تليفونية من القاهرة.. انتظروا كثيراً، وفي عام 73 جاءتهم مكالمة من نوع آخر، أن القوات المصرية والقوات السورية أثبتت أنه بمرور الوقت يمكن أن نحسّن كفاءتنا ونقضي على خط بارليف، ونلاحظ خط بارليف كان يشبه القلعة، المعبد القلعة أيضاً، يعني يتحصن داخله ويجلس، فقضينا عليه فأدرك أن.. أنه لا يمكن إلغاء التاريخ ولا يمكن الاعتماد على الجغرافيا. في كل الاتفاقات بين العرب وإسرائيل بنجد إن الأمن هو عنصر أساسي فيها. أعتقد انتفاضة الأقصى.. جعلت إن الإسرائيليين من الآن فصاعد يتوقعون هدن مؤقتة لا أكثر ولا أقل.

أحمد منصور:

إلى متى؟

د. عبد الوهاب المسيري:

إلى أن يقضي عليهم العرب.

أحمد منصور:

يعني أنت تؤمن بعملية القضاء على إسرائيل بأنها آتية لا محالة؟

د. عبد الوهاب المسيري:

طيب.. يعني ابتداءًا سأقول نعم، لكن هذا سيتم ليس مباشرةً وإنما على مراحل، أنا بأعتقد، لأن عندنا دول الفرنجة، والإسرائيليون يدرسون دول الممالك الصليبية كما يسمونها جيداً ويعرفون أن هناك ديناميات معينة داخل التاريخ العربي والإسلامي أدت في النهاية إلى القضاء عليهم، وهم أيضاً ينظرون إلى كل الجيوب الاستيطانية الأخرى ويدرسونها بكفاءة، بمعنى أنهم يعرفون تماماً أن جميع الجيوب الاستيطانية التي لم تقض على السكان الأصليين ولم تقم بإبادتهم قُضي عليها بالفشل.

أحمد منصور:

وهم الآن في مرحلة لا يستطيعون القضاء فيها على السكان الأصليين اللي هم الفلسطينيين، حتى إن سكان 48 يشكلون مأزقاً بالنسبة لهم، كانوا 150 ألف في 48 الآن صاروا مليون وربع مليون يشكلون شوكة في خاصرة الإسرائيليين كما يقال.

د. عبد الوهاب المسيري:

نعم، و.. بمعنى إن الإسرائيليين يواجهون كمّاً عربياً وكيفاً عربياً، لأن الإنسان الفلسطيني بيحسّن كفاءاته باستمرار وتنظيمه وأدرك مثلاً الموازنات الدولية، أدرك الإعلام، أدرك كيفية التحدث بالخطاب الناعم الذي كان الصهاينة يستخدمونه من قبل، الـ.. تحسن الأداء على المستوى الكمي وعلى المستوى الكيفي، وكما قال (أرنون سفير) وهو أستاذ الجغرافيا في الجامعة العبرية، قال: سيهزمنا الفلسطينيون في غرفة النوم وفي مدرجات الجامعات، ويطلقون على المرأة الفلسطينية، القنبلة البيولوجية..

مستقبل إسرائيل

أحمد منصور[مقاطعاً]:

من خلال نسبة المواليد المرتفعة.

د. عبد الوهاب المسيري:

آه. ودي على فكرة بالمناسبة دي مسألة قديمة من الثلاثينيات، معدلات الإنجاب بين الفلسطينيين دائماً كانت من أعلى المعدلات في العالم. العكس بقى اليهود، وعلى العكس الإسرائيليين، يعني أقل الإناث خصوبة في العالم الآن هي المرآة اليهودية في الولايات المتحدة.

نهاية إسرائيل

أحمد منصور: طيب الآن ده بيدفعني للسؤال عن نقطة مهمة، المقال الذي نشره (جاك أتالي) أحد كبار المفكرين الصهاينة الفرنسيين في 12 أكتوبر الماضي فقط في الإكسبرس الفرنسية والذي تنبأ فيه بزوال إسرائيل وانتهاء الحلم الصهيوني، يدفعنا للسؤال عن مستقبل إسرائيل الآن في ظل هذا الواقع.

د. عبد الوهاب المسيري: نعم أنا بأعتقد إن كثير من الإسرائيليين يعرفون هذا، أنا سأحكي لك قصة سمعتها من جنرال (بوف) وهو كان قائد الحامية الفرنسية التي هاجمت مصر عام 1956، جاء بعد حرب 1973 بدعوة من الأستاذ هيكل ليحدثنا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، فقال لنا هذه القصة: أنه عام 1967 والقوات الإسرائيلية بعد أن حققت النصر العظيم هذا وهي في طريق العودة كان يحلق في الطائرة مع رابين، وبدأ يهنئه على هذا الانتصار، ففوجئ برابين يقول له: لكن ماذا سيبقى من كل هذا؟ يعني في لحظة النصر يعرف أن هناك نهاية، وهذا ما لخصه أحد المفكرين الإسرائيليين قال إن إسرائيل ستركض من نصر إلى نصر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة. تحدث (يعقوب تالمون) عن عقم الانتصار، وهكذا بمعنى إنه، ويوجد في الأدب الإسرائيلي أشياء كثيرة عن هذا الموضوع، لإن كما قلت أن الإسرائيليين يدرسون حروب الفرنجة بكفاءة، وهذه استمرت قرنين من الزمان، وكانت قوية، يدرسون أيضاً ما حدث لجنوب أفريقيا في الستينيات وهذا ليس في العصور الوسطى، كانت في غاية القوة، تجارب نووية، وغير متعمدة على أوروبا، من أعلى المستويات الاقتصادية وهكذا، ثم في التسعينيات قُضي عليها، الإسرائيليون يدرسون هذا جيداً ويعرفونه في قرارة أنفسهم، قد ينكرونه لأنهم ينكرون التاريخ، لكن لاوعي الإنسان هو أمر لا يتحكم فيه، أنا بأعتقد إنه انتفاضة الاستقلال، انتفاضة الأقصى لو نجحت في تحرير الضفة الغربية، وفي تحرير غزة، أعتقد أن هذا هو نهاية إسرائيل، لإنه في نهاية الأمر الفلسطيني سيزداد ثقة بنفسه، والعالم العربي سيزداد ثقة بنفسه، وهذا الحبيب الاستيطاني سيصبح شيء صغير يضمر لأن الغرب لن يهتم به، لإنه في نهاية الأمر الغرب له مصالح في المنطقة، وإن أرسلنا رسالة للغرب أن في نهاية الأمر أن إسرائيل لا يمكنها أن تمثل مصالحها، بل تشكل عبء عليه، بأعتقد أن هذا هو نهاية إسرائيل.

المزيد
Total
0
Shares
السابق
سعد الدين الشاذلي

لماذا رفض الشاذلي السلام مع إسرائيل ؟

التالي
انحياز الصحف الامريكية لإسرائيل في حرب غزة

انحياز الصحف الأمريكية لإسرائيل في تغطية حرب غزة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share