كنائس إسطنبول القديمة

أعشق السير فى شوارع المدن القديمة، وأحب أن أراها دائما بعيون أهلها المحبين لها، الدارسين لتاريخها وحضارتها وعراقتها، ورغم أنى زرت مدينة اسطنبول العاصمة التاريخية لتركيا كثيرا إلا أننى كنت حريصا فى كل مرة أن أعرف جديدا عنها، فالحضارة الإسلامية العثمانية البارزة فى كل جوانب اسطنبول تتوارى خلفها حضارات أخرى فقد قامت الحضارة الإسلامية على أنقاض الحضارة البيزنطية وقامت البيزنطية على أنقاض الحضارة الرومانية وقامت الرومانية على أنقاض الحضارة الهلينية التى أسسها الإسكندر المقدونى، وكانت اسطنبول مهدا ومكانا مميزا لكل هذه الحضارات بموقعها المميز وخيراتها الكثيرة، وما يميز مبانيها القديمة طريقة بنائها والمواد المستخدمة فيها حيث بقيت بعض المبانى لاسيما الكنائس مئات السنين وبعضها بقى أكثر من ألف عام، قاومت خلالها الزلازل والعواصف وأملاح البحر وجميع العوامل الأخرى وقد وجدت جدران مبانيها مزيجا من القرميد والحجارة والرمال وبياض البيض الذى كان أحد العوامل الأساسية التى ساعدت على تماسك الأبنية وعدم خلخلتها، فقد عرف الأقدمون من فنون هندسة البناء الكثير ومن أقدم هذه المبانى متحف «كاريا» وهذه منطقة تقع خارج أسوار اسطنبول القديمة وهو من أقدم المبانى حيث بنى ككنيسة فى القرن الرابع الميلادى ورسم البيزنطيون على جدرانه وأسقفه قصة المسيح عليه السلام من خلال التوارة والإنجيل واستغرقت الرسومات قرونا عديدة، وبها لوحات من الفسيفساء مازالت ناصعة الألوان بشكل كبير، وكانت هذه الكنيسة قد تحولت إلى مسجد غلى غرار كثير من الكنائس لكنى حينما سألت عن كيفية تحويل الكنائس إلى مساجد قيل لى إن كل كنيسة فى تركيا حتى الآن لها مجلس من سبعة أشخاص هم القيمون على أمر الكنيسة بعد دخول الإسلام لتركيا بدأ يسلم بعض هؤلاء فإذا أسلم أربعة من السبعة يتم تحويل الكنيسة إلى مسجد لكن محمد الخامس والخلفاء من بعده لم يغتصبوا أيا من الكنائس، وكان المسلمون حينما يحولون كنيسة إلى مسجد بعد إسلام القيمين لا يهدمون شيئا من صورها أو الرسومات التى بها وإنما كانوا يكتفون بوضع الجبس لتغطية الصور، لذلك حينما جاء أتاتورك وحول كثيرا من المساجد التى كانت كنائس مثل أيا صوفيا وكاريا إلى متاحف تمت إزالة الجبس من على الصور فظهرت معظمها كما هى، وقد أكد لى القصة حامل الشموع فى كنيسة مريم الأم وهو يدعى سابا من أنطاكية ويتكلم العربية وكنيسة مريم الأم هى من أقدم كنائس اسطنبول وتسمى كنيسة المغول وقد بنيت قبل 1200 عام ويعلق على جدرانها وثيقة من محمد الفاتح يؤمن الروم الأرثوذكس على دينهم وكنائسهم، لكن العجيب فى متحف كاريا أنه يضم فى حديقته الخارجية قبر الصحابى الجليل أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه، حيث استشهد فى أول حملة لفتح القسطنطينية بعث بها معاوية بن أبى سفيان، لقد عاش المسيحيون فى كنف الدولة الإسلامية أربعة عشر قرنا فى أمان وسلام وحقوق كاملة وإن إثارة النعرات والفتن الطائفية الآن إنما تعكس عبث الأيدى الخارجية وضيق العقول الداخلية لأن الإسلام أعطى الأمان لكل من يعيش فى كنفه وحساب الجميع بعد ذلك على الله.

Total
0
Shares
السابق

أقباط مصر.. وأرثوذكس تركيا

التالي

جهل الحكومة بسياحة المؤتمرات

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share