لماذا لم يسجل أشرف مروان شهادته على العصر ؟

تذكرت وأنا أتابع ما نشره الإسرائيليون قبل أيام من صور وتفاصيل عن تجنيدهم لأشرف مروان والإنجازات التي حققها لهم والمعلومات الحساسة والدقيقة التي كان يمدهم بها – سواء عما يتعلق بصحة عبد الناصر وقراراته أو تحديد موعد حرب أكتوبر ـ تذكرت  لقائي معه  في فندق تشرشل في العاصمة لندن صيف العام ٢٠٠٤ حيث كنت أسعى لتسجيل شهادته في برنامجي التليفزيوني ” شاهد على العصر
أشرف مروان

بقلم : أحمد منصور

حينما كشف الموساد الإسرائيلي عن وثائق تاريخية لأول مرة في ذكرى مرور خمسين عاماً علي  حرب أكتوبر – التي يسميها اليهود حرب يوم الغفران – تضمنت تفاصيل جديدة عن أشرف مروان، زوج منى ابنه جمال عبد الناصر الذي نجح الموساد في تجنيده، وظل يعمل لصالح إسرائيل والموساد من بيت عبد الناصر ومن بعده في عهد السادات، والذي  أنتجت أفلام ومسلسلات وبرامج كثيرة عنه خلال السنوات الماضية. ويعتبر كتاب ” الملاك ” الذي كتبه الإسرائيلي يوري بار جوزيف عن حياة مروان سيرة ذاتية مليئة بالإثارة والتشويق، و مصدراً لكثير من تلك الأعمال، عن رجل خدم إسرائيل بإخلاص من قلب قصور الحكم في مصر .

الملاك (أشرف مروان)

مقتل الملاك

ورغم ذلك فقد ظلت  حياة أشرف مروان وعمالته لغزاً محيراً لدي البعض  لاسيّما بعدما  قُتل في ظروف غامضة – سجلت كحادثة انتحار – بسقوطه من شرفة شقته في وسط العاصمة البريطانية  لندن في ٢٧ يونيو ٢٠٠٧،  وقد قتل بنفس الطريقة التي قتل بها اللواء الليثي ناصف – مؤسس سلاح الحرس الجمهوري – و الذي كان شريكاً له في الانحياز للسادات فيما عرف بقضية مراكز القوى عام ١٩٧١، حيث سقط الليثي ناصف – هو الآخر – أو أُسقط من شرفة الشقة التي كان يقطنها في مبني غرب لندن في شهر أغسطس عام ١٩٧٣.

تذكرت  لقائي مع أشرف مروان  في فندق تشرشل في العاصمة لندن صيف العام ٢٠٠٤ حيث كنت أسعى لتسجيل شهادته في برنامجي التليفزيوني ” شاهد على العصر

شهادته على العصر

  تذكرت وأنا أتابع ما نشره الإسرائيليون قبل أيام من صور وتفاصيل عن تجنيدهم لأشرف مروان والإنجازات التي حققها لهم والمعلومات الحساسة والدقيقة التي كان يمدهم بها – سواء عما يتعلق بصحة عبد الناصر وقراراته أو تحديد موعد حرب أكتوبر ـ تذكرت  لقائي معه  في فندق تشرشل في العاصمة لندن صيف العام ٢٠٠٤ حيث كنت أسعى لتسجيل شهادته في برنامجي التليفزيوني ” شاهد على العصر ” .

مما لفت نظري أن  الرجل كان يجلس قلقاً مضطرباً مشوشاً طوال الوقت يتلفت كثيراً حوله، ويتحرك من مقعده بطريقة تشعرني بقلقه وربما رهابه واضطرابه

لقاء مع أشرف مروان

امتدت جلستي معه أكثر من ساعة، كنت أطرح عليه خلالها بعض الأسئلة في محاولة لاستكشاف شخصيته الغامضة وعلامات الاستفهام التي تحيط بها، وكنت  أستمع بصمت وإنصات إلى إجاباته التي كانت في معظمها  متضاربة ومضطربة لاسيّما حينما سألته عن مصدر ثروته وثرائه الفاحش.

مما لفت نظري أن  الرجل كان يجلس قلقاً مضطرباً مشوشاً طوال الوقت يتلفت كثيراً حوله، ويتحرك من مقعده بطريقة تشعرني بقلقه وربما رهابه واضطرابه لاسيّما وأنا كنت أركز في النظر إلي عينيه التي كان يحركها كثيراً بعيداً عني  وأُنصت باهتمام  إلي ما يقوله، وأحاول  ترتيب جمل مفيدة، حتى أكتبها في المفكرة التي كانت بين يدي أدوّن فيها ملاحظاتي في مثل هذه الجلسات حتى أعود إليها لاحقاً.

كنت أشعر في كل سؤال أطرحه عليه، أنه كأنما يسعى لتأليف إجابة له، فالإنسان الذي لا يكذب لا يعاني وهو يبحث عن الكلمات أو صياغة الجمل التي يرد بها علي الأسئلة أو يوضح من خلالها الأمور، لكني كنت أشعر بإجهاد شديد وأنا أتابع الإجابات المفككة، ثم وجهت له في النهاية السؤال الذي زاد اضطرابه وعصبيته وقلب مزاجه المتقلب، قلت له : هناك مصادر عديدة تؤكد أن ثروتك تزيد عن نصف مليار جنيه إسترليني ” ٥٠٠ مليون جنيه إسترليني ” .

 بدا الاضطراب والقلق على وجه أشرف مروان وأخذ يتلفّت حوله بشكل مزعج أكثر من ذي قبل، ثم تحرك على كرسيه يُمنة ويُسرة وأعاد تبديل وضعية الساق علي الأخرى، قبل أن يجيب، وهو يجمع شتات الكلام . قال : هذا كلام مبالغ فيه إلي حد كبير، قد أكون ثرياً لكن ليس إلي هذا الحد، وسأروي لك مصدر ثروتي، ثم أخذ يروي  لي هذه القصة غير المقنعة – والتي سأرويها لكم كما قالها لي و لا أعرف إذا كان قد رواها لأحد غيري من قبل – قال  : تعرف أني كنت سكرتير الرئيس السادات للمعلومات وكنت مقرباً منه، وبعد حرب أكتوبر وتحديداً في العام ١٩٧٥  استدعاني وقال لي : يا أشرف لقد أديت دورك بشكل مشّرف خلال السنوات الماضية، سواء في خدمة الرئيس عبد الناصر أو خدمتي، لذلك أريد أن أضعك في وظيفة تعود عليك بفوائد مالية كبيرة، وقالها لي بالمصرية الدارجة ” سأضعك في وظيفة تعمل لك منها قرشين ” فقام بتعييني رئيساً للهيئة العربية للتصنيع، التي كانت تساهم في ملكيتها كثير من الدول العربية، وأضاف : “كنت أتعامل مباشرة مع الحكومات التي تساهم في ملكية الهيئة التي كانت تملك المصانع الحربية التي تقوم بتصنيع الأسلحة في مصر، وقد عاد عليّ هذا المنصب بثروة وفيرة”. فقلت له : “لكن هذا المنصب  في النهاية وظيفة ومهما كان دخل الوظيفة لا يمكن أن يعود علي الإنسان بهذه الثروة ؟ وقد عينك السادات رئيساً للهيئة العربية للتصنيع ولم يبعها لك”.

سواء قتل  أشرف مروان أو انتحر، فقد مات  ومعه كثير من الأسرار والألغاز التي ستظل مرتبطة بإسرائيل واستخباراتها

مذكرات أشرف مروان

كان هذا السؤال بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ـ كما يقولون ـ  هنا  نظر أشرف مروان في ساعته، وقال لدي موعد وعلي أن أنصرف،  قلت له : بقي لدي سؤال أخير قبل أن تنصرف متى ستنتهي من كتابة مذكراتك ؟ وهل صحيح أن الذي يساعدك في كتابتها كاتب إسرائيلي ؟

هل انتحر أم نُحر ؟

 لم يجب أشرف مروان علي سؤالي وانصرف مسرعاً  من فندق تشرشل – كما دخل – يتلفت حوله بقلق. ولا أدري هل حياته المضطربة والأدوار التي قام بها والشكوك التي كانت تحيط به هي التي حولته إلي إنسان مضطرب قلق مُصاب بالرُهاب من كل من حوله ؟ أم أنها كانت جزءاً من شخصيته ؟ فقد كان لقائي به هو الأول والأخير، ولم أفكر بالاتصال به أو التواصل معه مرة أخري لأني كنت أدرك أن شخصاً بطبيعته المضطربة لا يمكن أن يسجل شهادته أبداً على العصر، لاسيّما مع صحفي يحقق مع ضيوفه ويستجوبهم مثلي، غير أن اللقاء أكد شكوكي نحو الرجل، ثم تأكدت بعد نحره أو انتحاره في يونيو عام ٢٠٠٧ ، وتأكيد ابنه أنه كان يكتب مذكراته التي اختفت من شقته في أعقاب مقتله.

أشرف مروان

اختراق بيت جمال عبد الناصر

سواء قتل  أشرف مروان أو انتحر، فقد مات  ومعه كثير من الأسرار والألغاز التي ستظل مرتبطة بإسرائيل واستخباراتها التي ربما يكون ما أزاحته من تفصيلاتها في ذكرى مرور خمسين عاماً على حرب أكتوبر هو آخر ما لديها من أسرار حول عمالته لهم، وإذا كان ما ذكروه صحيحاً فإنهم قد نجحوا بحق في اختراق بيت عبد الناصر والسادات من بعده، بحيث يكون أشرف مروان في مكانة لديهم لا تقل عن مكانة الجاسوس الإسرائيلي  إيلي كوهين.

Total
0
Shares
السابق
آصف دراكوفيتش 2

اليورانيوم الجديد سلاح أمريكا الذي يدمر حياة البشر

التالي
النفيسي

عبد الله النفيسي : أسباب فشل الهيمنة الأمريكية على العالم

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share